د. صادق القاضي
السابقة الحوثية.. في تاريخ "الانقلاب"!
حدثت انقلابات كثيرة من قبل، وفي كل مرة كان "الانقلاب" يسيطر على السلطة، ويتمسك بالجيش والدولة، ويحافظ على علاقته مع الشعب، ولو بالحد الأدنى المعقول.
هذه المرة الأمر مختلف. مختلف جذرياً لدرجة أنه بحاجة إلى مصطلح جديد يعبر بدقة عن حيثياته:
كانت مشكلة الانقلابات السابقة، سياسية دائماً، وأيديولوجية أحياناً، بينما "المشكلة الحوثية" سياسية أيديولوجية دينية طائفية عنصرية، مدنية حضارية وجودية..
كانت مشكلة الانقلابيين السابقين، مع السلطة، بينما مشكلة الحوثيين، مع السلطة والمعارضة، والثقافة والمجتمع، والماضي والحاضر، والداخل والخارج.
في كل مرة كان زعيم الانقلاب يتجه إلى القصر الجمهوري، بنفسه كرئيس ومسئول مباشر، ويحكم من هناك من خلال مؤسسات الدولة، متكئاً على الجيش باعتباره عماد كل الانقلابات والسلطات السابقة.
هذه المرة أرسل زعيم الانقلاب أحد قفازاته إلى القصر الجمهوري، وظل في الكهف -كمرجعية فوقية غير مسئولة ولا مباشرة- يتحكم بالأمور من خارج الدولة، بمشرفين ومليشيات دينية هي عماد هذا الانقلاب.
هذه المرة -وبما يليق بانقلاب شمولي شامل فريد من نوعه- لم يكتفِ الحوثيون بالاستحواذ على السلطة، بل قاموا بتدمير مؤسسات الدولة، والقوات المسلحة، ثم توجهوا بكل قوة وإصرار وترصد لاستهداف الشعب:
- الاستئثار العنصري السلالي بالسلطة والثروة والوظيفة العامة والمركز الاجتماعي..
- مضاعفة الجبايات، والتخلي عن الالتزامات.
- التجهيل.. التجويع.. التخويف..
- النزعة الطبقية، وتفتيت الوحدة الوطنية، وتمزيق النسيج الاجتماعي.
- تحويل المواطنين إلى رعية، والرعية إلى خدم وأبواق ووقود للحروب.. إلخ.. إلخ... إلخ.
هذه النزعات والتوجهات والممارسات الفاشية تؤكد أن الحوثيين ليسوا أول من انقلب على السلطة، لكنهم أول من انقلب على المجتمع والشعب والإجماع الوطني.. أول من انقلب على منطق "الانقلاب" نفسه!
يُفترض بالتالي أن يكون هناك مصطلح مناسب يعبر عن حقيقة هذا التسونامي الذي تم اختزاله في مجرد "الانقلاب". بما يضر بالقضية اليمنية، ولا يدين الحوثيين، وعلى العكس يخدمهم، ويطبع المشكلة اليمنية، كمشكلة واردة وعادية، نظرياً وعملياً، على كافة الأصعدة.
محلياً: اليمن معتادة على الانقلابات، والحوثيون يدلعون اجتياحهم بتشبيهه بالانقلاب الثوري لـ"حركة 13 يونيو التصحيحية" التي قادها "إبراهيم الحمدي في" 1974م.!
دولياً: القضية نسبية، "الشرعية" ليست مطلقة وأبدية، ولا يتعلق الصراع حولها بالحق والباطل، بل بالسيطرة على الأرض، والتأثير على الواقع، وإدارة شئون ومصالح المواطنين.. على ضوء المفهوم الحديث الواسع الذي بات للانقلاب خاصةً بعد صدور كتاب "تقنيات الانقلاب"( 1930) لكورزيو مالابارتي.
الانقلاب بهذا المفهوم العالمي ليس إيجابياً أو سلبياً بذاته، بل بما يترتب عنه على أرض الواقع من متغيرات، مع أو ضد رغبة ومصالح غالبية فئات الشعب.
بمعنى لم يعد الانقلاب شراً محضاً يهدد حرية واستقرار الشعوب بالضرورة، في ظل حقيقة أن بعض الانقلابات، أسقطت أنظمة شمولية، وحققت الاستقرار، وأفضت إلى نوعٍ من الديمقراطية، وسلطات مدنية منتخبة.
كما لم يعد مفهوم الانقلاب مقتصراً على الوسائل المسلحة، وبات يشمل -حسب "مالابارتي"- "حتى القوى المدنية، التي تشارك أيضاً من خلال زعزعة استقرار الحكومة بإجراءات تهدف إلى خلق حالة من الفوضى الاجتماعية تمكّن وتبرر في وصول الانقلابيين إلى السلطة".
وبشكل عام، المصالح الدولية لا غير، هي التي تحدد موقف المجتمع الدولي من أي انقلاب، وفيما يتعلق باليمن يمكن لهذا المجتمع إدراج أحداث2011 المدنية السلمية، ضمن دائرة الانقلاب، قبل النظر إلى الاجتياح الحوثي على حقيقته باعتباره سابقة كارثية في تاريخ الانقلابات، ليس على مستوى اليمن، بل على مستوى العالم.!