▪ القضية المركزية للحركة الحوثية هي "الإمامة"، وما عداها من قضايا وشعارات طاووسيه وسياسات وثرثرات، جميعها مُسخَّرة في خدمتها.
هذا أمر يعرفه الكافة.. والإمامة في النظرية الزيدية الهادوية هي الرئاسة المطلقة على الدين والدنيا بتوصية منحولة من عالم الغيب.
يمكن ببساطة إدراك هذه القضية من وراء الكلام الكثير الموارب في الدورات الثقافية الحوثية، وفي الدعاية وفي الإعلام، وفي الملصقات، وفي اللوحات العملاقة في الشوارع، وفي المواعظ المسجدية وفي أحاديث المؤامرة والخطر على الإسلام وشعارات العداء لأمريكا واسرائيل.
الأدبيات الحوثية، بموضوعاتها وأساليبها ودعاواها اللاهوتية الخلاصية، بما في ذلك الدعوى التحررية الوطنية المصاغة هي الأخرى على أرضية دينية إسلامية عالمية مستعارة من تراث خميني إيران، كلها مجندة للقيام بوظيفة الطبقة الخارجية من اللحم والشحوم التي تكسو عظام الهيكل الإمامي الذي نهض من مرقده قبل سنوات.
▪ ولا نستبعد أن يكون العقل السياسي لحركة الإمامة الهادوية اليمنية قد أجرى مراجعات آلية، نوع من المذاكرة الجماعية التي تتم بالسليقة أثناء النشاط والفعل ، لتجارب الماضي الإمامي من أجل استخراج دروس وأفكار وتدابير للاستفادة منها في القصة الجديدة.
وبينما هم يفعلون ذلك، لا يوجد في الجهة المناوئة للإمامة عقل سياسي وفكري موحَّد، يتدارس ماضي المسار الوطني النضالي اليمني، قديمة وحديثه، ضد نظام الإمامة وضد الظواهر والأشباح التي على شاكلتها، لاستخلاص العبر، ونقد وتقويم الأفعال والأقوال، وإنضاج السياسات والخطابات والتحركات.
فيما يخص الحوثيين، هناك مساحة متروكة للارتجال وللفعل المباشر بدون فكرة مسبقة أو ضمانة، وللتعلم من خلال التجربة والخطأ، لكن بالمقابل هناك جانب في مشروعهم محدد سلفا، جانب صلب وعميق: الإمامة أو ولاية آل البيت.
أما خطوط هذا الجانب الصلب، وأقنعته وتطبيقاته الجديدة، فإنها تُستخلَص وتُنسَج من المراجعة التي يجريها العقل الإمامين لقطاعات تاريخية متفرقة من ماضي الإمامة الزيدية، إلا أنه يستفيد أيضا من تجارب الإسلام السياسي الشيعي (الخميني وحزب الله) والسني (الإخوان المسلمين) خلال العقود الخمسة الماضية، بل إنه يمتص كل ما يستطيع امتصاصه من نماذج وعصور ومناطق شديدة الاختلاف.
▪ ليس من الفطنة الرهان على النقص في التبلور الفكري والسياسي الذي تعاني منه الحركة الحوثية.
ذلك أن ضعف التحديد، أو انعدام التحديد، أو التحديد الهجين والمشوَّش، جميعها أشياء لا تعطينا بالضرورة توقعات صارمة عن المصير بالنسبة للظاهرة محل الدراسة والتقييم.
حتى لو أثبتنا أن الحوثية من الناحية الاجتماعية والسياسية والوطنية، تفتقد للتحديد المفاهيمي والأيديولوجي والتنظيمي، حتى بالنسبة إلى نفسها، فهذا الإثبات بمفرده لا يكفينا لكي نحكم عليها بالزوال الفوري من مسرح التأريخ.
هناك ظواهر وبائية مشابهة استطاعت تأمين حد أدنى من البقاء ولو على حيز ضيق، بالرغم من غياب التعيين والتشخيص الذاتي الناجز لماهيتها، فهي قد تبقى بفضل تزاوج هذا الغياب للتعيين مع شروط وعوامل داخلية يمنية وخارجية، إقليمية ودولية، تشكل في مجموعها بيئة مناسبة لاستمرار الآفة.