كل يوم تثبت المليشيات الحوثية، الذراع الايرانية في اليمن، أنها غير قادرة على إخفاء نهمها للسلطة وسعيها للاستئثار بكل شيء، وإقصاء واجتثاث خصومها أو معارضيها بأي شكل كان، وهو ما بدا واضحاً من خلال تناقضها في رفع الحصانة عن 35 نائباً من قبل البرلمان الخاضع لسيطرتها، وفي نفس اليوم إصدار قرار من المجلس السياسي الخاضع أيضا لسيطرتها بتشكيل لجنة مصالحة وطنية تضم في عضويتها عشرين اسماً معظمهم من قياداتها والقيادات الموالية لها.
وبغض النظر عن عدم دستورية أو قانونية رفع الحصانة عن النواب الخمسة والثلاثين، إلا أن تزامن إعلانه مع إعلان قرار تشكيل لجنة تسمى بلجنة المصالحة الوطنية والحل السياسي يكشف عن عقم سياسي لدى هذه المليشيات وممارسة السياسة بعقل هاو لا يستوعب أو يدرك أو يضع أي اعتبارات لأي شيء، لا توقيتاً، ولا ظروفاً، ولا معطيات.
مليشيات الحوثي، التي تدعي حرصها على السلام وتزعم أنها تسعى للحل السياسي، تتعامل مع سلطات ومؤسسات الدولة كأنها مجرد أدوات وجدت لخدمة مصالح هذه المليشيات ومشروعها العنصري الكهنوتي الذي يدعي حقا سماويا في الحكم والسلطة، وبالتالي لا تضع أي اعتبارات لأي مفاهيم متعلقة بالموقف من الآخرين سواءً أكانوا خصوما أم أصدقاء موالين أم معارضين، وتتصرف في العاصمة صنعاء ومناطق سيطرتها وكأنها أصبحت مجرد ضيعة خاصة بها ومن حقها أن تفعل ما تشاء وقتما تشاء وكيفما تشاء معتمدة على القوة والسلاح في فرض ما تريد.
مليشيا الحوثي، وهي تتصرف بهذه الطريقة، تتناسى أن الحكومة في عهد الشهيد الزعيم علي عبدالله صالح وهي تخوض حروب التمرد ضدها في صعدة طلبت من البرلمان رفع الحصانة عن شقيق زعيم المليشيا يحيى بدر الدين الحوثي، وهو ما تم فعلاً، آنذاك، لكن ذلك الإجراء لم يحقق مبتغاه بفعل تقلبات السياسة، حيث عاد يحيى الحوثي وأصبح يمارس عمله نائباً في البرلمان رغم أن الإجراء الذي اتخذ ضده كان وفقاً لنصوص الدستور والقوانين النافذة واتبع فيه كل الإجراءات القانونية اللازمة، على عكس إجراءات رفع الحصانة حاليا من قبل البرلمان الخاضع لسيطرة الحوثي والذي تفتقر إجراءاته لأي مشروعية دستورية وقانونية، كونه يدار تحت ضغط قوة انقلابية لا يعترف بها أحد في العالم.
والحقيقة أن مليشيا الحوثي، وهي تمارس الفهلوة السياسية بصورة غبية جداً، تقدم أدلة على نزوعها إلى الاستحواذ على كل شيء، وما رفع الحصانة عن 35 نائباً إلا مقدمة تسعى من خلالها المليشيات لمصادرة منازلهم وممتلكاتهم في العاصمة صنعاء والمناطق الخاضعة لسيطرتها بحجة أنهم "خونة"، كما تصفهم، وهو دليل جديد على أن هذه المليشيا لا يمكن أن تكون طرفا يصنع السلام أو يحقق المصالحة الوطنية مع الآخرين، وأنها مجرد مليشيا لا ترى في الآخرين سوى خصوم يجب اجتثاثهم ولا ترى في الدولة سوى أدوات وجدت ليتسنى لها ممارسة السلطة على الآخرين وإخضاعهم بالقوة، وهي أيديولوجيا لا يمكن أن تستمر أو تنجح.. فمهما كانت الظروف الحالية مساعدة لهذه المليشيات في تثبت نفسها كسلطة أمر واقع إلا أن ذلك لن يدوم وسينتهي سواءً بالحرب أو بالسلام أو بالمقاومة السياسية، والتاريخ اليمني مليء بالدروس التي تؤكد أن القوى التي حكمت البلاد بالقوة والعنف واجهت مقاومة شعبية انتهت بزوالها وانتصار الشعب عليها، وهو ما سيحدث مع مليشيات الحوثي إن عاجلاً أو آجلاً، والزمن كفيل بإثبات ذلك.