حكيم الجبلي

حكيم الجبلي

الحرب اليمنية في الإطار الكلِّي للمشهد العالمي

Friday 13 September 2019 الساعة 03:53 pm

▪الحرب في اليمن، إذا نظرنا إليها في الإطار الكلّي للمشهد العالمي، تنتمي إلى حقل حديث من النزاعات يمثل في عالم اليوم موضوعاً مهمّاً للدراسات والمعاينات النظرية. وقد دارت حول هذا الحقل أسئلة وتكهنات، فمنهم من رأى فيه إرهاصاً بولادة نظام دولي/ عالمي جديد لا أحد يعرف ما سيكون عليه هذا النظام، وآخرون يرون فيه مظهراً لحرب أهلية عالمية. وكان اتجاه نقدي ذائع الصيت قد أدرج هذه النزاعات ضمن طور تاريخي أسموه "ما بعد الحداثة".. إلخ!

للأمر علاقة باختفاء نوع من الحروب التقليدية التي كانت تحصر النزاع بين الدول ذات سيادة، وظهور جيل جديد من حروب غير محددة مكانياً وزمانياً، والنصر العسكري فيها غير قابل للتحقق على مقياس الجيل القديم من الحروب.

ولقد صار بإمكان الباحثة البريطانية ماري كالدور، أن توظف النزاع اليمني في كتابها "الحروب الجديدة والحروب القديمة"، باعتباره أحد الأمثلة الحية على حروب ما بعد الحداثة، تلك الحروب التي، بحسب كالدور، تتمحور حول الهوية قياساً إلى الغايات الجيوسياسية أو الأيديولوجية للحروب الكلاسيكية، وتعج بفتيان يرتدون بزات عسكرية محلية الصنع ولاجئين يائسين وسياسيين متنمرين، وحيث تنطوي على حشد من الروابط العابرة للأمم لدرجة "يصعب التمييز بين ما هو داخلي وما هو خارجي".

▪هذا من شأنه أن يفسر إخفاق الحوثيين في إدراج حربهم ضمن المفاهيم الآفلة للنزاع بين الدول ذات السيادة. والتحدي الحاسم يكمن في قدرتك على ردم الهوة السحيقة التي تفصل بين ما تخلعه على نفسك من الألقاب والصفات والأدوار، وبين صورتك التي تبدو فيها بالنسبة للآخرين داخل وخارج اليمن.

في حين أن السعودية تقول إنها تخوض الحرب في اليمن وليس مع اليمن/ الدولة. عند هذه النقطة يجب أن نضيف بأن هذه النظرة للحرب تتساوق مع مقاربات الفكر السياسي السائد لنمط مشابه من النزاعات النشطة حالياً. فالولايات المتحدة الأمريكية لم تقل إنها في حرب مع أفغانستان بل في أفغانستان.

هل هذه النظرة صحيحة أم خاطئة؟ وهل هذا السلوك قانوني أم مخالف للقانون الدولي؟ على افتراض أن القانون الدولي حقيقة قائمة ومعتبرة. إن البت في قضايا كهذه يعتمد في الغالب على موقع الشخص في الصراع أكثر مما يعتمد على المنطق الرياضي أو الأخلاق المجردة. ستجد من يجادل بصواب وقانونية ما تفعله السعودية في اليمن أو الولايات المتحدة الأمريكية في أفغانستان، وتجد في المقابل من يجادل بعكس ذلك.

ففي حالة الحرب "كل واحد حَكَم في قضيّته"، كما قال إيمانويل كانت، الفيلسوف الألماني العظيم الذي كان لأفكاره تأثير ملهم في تأسيس وتطوير مشروع للسلام الدائم بين الدول على مستوى العالم، وهو ما صار يعرف بـ"الأمم المتحدة" بميثاقها والهيئات التابعة له. وهو المشروع الذي يخضع اليوم لأقوى الضغوط، والذي يتكشف عن عجز مريع أمام التغيرات في الفضاء السياسي العالمي.