عبدالفتاح الصناعي
حركة التصحيح المتشبعة بالتجربة والحلم "النجاح اليتيم"
كما ذكرنا سابقاً أن الجمهورية الثانية حكمت بناءً على معارضتها للجمهورية الأولى ثم انقلابها عليها، وأن هنالك تناقضاً واختلافات داخل الصف الجمهوري تعود لأسباب قديمة وعميقة.
كانت الجمهورية الثانية هي الحركة الإصلاحية والدستورية التي تبنت انقلاب 48 لتأتي بإمام بدل إمام، وكان اعتمادها على أساليب تنظيمية وشخصيات نخبوية، وقوى معينة وتخالفات ضيقة، وما زالت تعاني من عقدة الشعب لأن الشعب وقف مع الإمام أحمد ضدها، لأن طريقة قتل الإمام يحيى كانت دخلية على الشعب، ولم يكن يعرف الشعب ما هو الدستور.
يقول البردوني لو أنها قالت العدل بدل الدستور لالتف الشعب حولها.
وظلت هذه النخبة التقليدية القديمة تحكم الجمهورية الثانية بطريقة نخبوية ومتخلفة عن التطورات، كما كان انقلابها السابق 48 اعتماداً على شخصيات لها ثقلها ووزنها بعيداً عن أي ارتباط بالشعب.
فقد كانت أقل حداثة.. رفضت الأحزاب والتعددية في خطاب الإرياني الذي قال "الحزبية تبدأ بالتأثر وتنتهي بالعمالة".
مثلت حركة التصحيح نجاحا حقيقيا للتطورات الطبيعية للثورة بناءً على تجاربها وتدفق عنفوانها ومحاولاتها وتجاربها العلمية وتنامي أحلامها الوطنية التحديثية.
فكان أن امتلكت رؤية وآليات تصحيحية عملية للإصلاح الثوري والإداري قبل أن تتحكم بزمام الأمور.
فهذا الجيل عسكرياً ومدنياً قد عايش الحلم الثوري والتجارب العملية من السلال إلى الإرياني، بينما السلال انحصرت تجربته بدائرة ضيقة للضباط الأحرار، وبالجيش. فكانت تجربة الجمهورية الثانية أقوى من السلال من حيث معايشتها للإمام والصراعات، ولكنها كانت محدودة الرؤية ضيقة الافكار، ما زالت تعيش عصر الإمام وليس الجمهورية.
أتت حركة التصحيح متتحررة من كل الأطر الضيقة ومتجاوزة كل الصراعات الجزئية، منطلقة من عمق الثورة ومن عمق تجربتها بالسلطة والعمل الوطني، فكانت أكثر اكتمالاً ونضجاً.
فلم تكن تميل بتطرف لليسار وإن أتت منه فقد تجاوزته، كما لم تكن تميل للقبيلة والمذهبية والمناطقية وإن كانت آتية من عمق النفوذ الأقوى مناطقياً ومذهبياً، كما لم تكن تميل للمبالغات والتطرفات الثورية الشكلية لأنها مشبعة بأحلامها متمثلة لقيمها الحقيقية فبلورتها إلى استراتيجيات وخطط وآليات، وحين تتبلور القيم إلى استراتيجيات عملية فإنها تختفي كل المبالغات والشكليات والشعارت.
الجمهورية الثالثة "التجلي السبتمبري العظيم"
لأنها آتية من عمق نقاط القوة كما أسلفنا فقد كانت بغاية الاتزان لا ضعف عندها حتى تلجأ إلى قوة دولية أو داخلية تحتمي بها، ولا عقدة عداء ونقص لمصارعة أحد.
فكانت مبادئ التصحيح عند الحمدي هي مبادئ وطنية بكل رقي وأتزان.
بخلاف الجمهورية الثانية برئاسة الإرياني التي قامت على مداهنة ومجاملة القوى النافذة والتحالفات معها، من منطق الضعف لأنها لا رؤية لها لبناء دولة وإنما تمتلك قدرا من إدارة السلطة التي تتقاسمها مع القوى النافذة، وكذلك كانت إدارة العلاقات الدولية بين العداء والاستجداء والاستعطاف.
شعر الأرياني بأن ما يتبلور هي ثورة تصحيحية عميقة تمتلك رؤية وآليات وتعمل بشكل متزن، وأنه لا مجال له إلا التنازل، وبالتالي أراد بأن ينتقم من الثورة عليه بطريقة ذكية خبيثة ليقتلها بعد تنازله مباشرة، فقدم استقالة جماعية... لكي تنتقم هذه القوى النافذة من الحمدي.
لكن الحمدي كان أكثر ذكاء واتزانا في التعامل مع الأمر، فعلى الأقل خاب هدف الإرياني، حين اعتقد بأن اللغم الذي الذي وضعه للحمدي سينفجر سريعاً قبل أن يتمكن الحمدي من تقديم مشروعه التصحيحي على المستوى الشعبي والوطني والدولي، لكن هذا اللغم انفجر بعد أن عرف الشعب والجميع بالداخل والخارج من هو الحمدي، وعن حقيقة مشروعه التصحيحي، وبأنه رجل دولة لا رجل سلطة.
سياسة الحمدي دولياً تبنى رؤية عدم الأنحياز.. ومع الجارة والشقيقة الكبرى تعامل معها على أساس أخوي صادق وشفاف، كعلاقة طبيعية متزنة، لا عداء فيها ولا كيد ولا ارتهان. فقال مقولته التي التي تنم عن الذكاء الدبلوماسي "حدود السعودية بداخل صنعاء، وحدود اليمن داخل الرياض"، فلا يمكن بأن يكون تابعاً ينفذ هواها وسياستها، ولا معادياً متخذاً لها مبرراً كما هي شعارات اليسار، ولا مرواغاً ومتناقضاً كما قامت بهذا أطراف أخرى.
شعبياً استطاع الحمدي أن يؤثر تأثيراً بالغاً باليمني البسيط، لصدق خطابه وإخلاصه للشعب، ونجاح سياساته العملية التي تعزز مصداقية خطابه وليس مجرد خطاب وشعارات.
إدارة الحمدي للصراعات النخبوية لم يسع خلالها لمحاربة ومجاملة طرف على حساب الآخر سواء كان تقليديا أو يساريا، على اعتبارات ذاتية أو ميلان شخصي، وإنما كرجل دولة سعى لأن يكون لكل مساراته الطبيعية، فلا أحد فوق الدولة ومؤسساتها القانونية. ولا هي الدولة طرف في أي خلاف أو صراع على أساس فكري وإيديولوجي، ولا استثمار هذه الصراعات والخلافات لصالحه فمشروعه الوطني أكبر من هذه الدوامات.
كما ذكرنا سابقاً أن الجمهورية الثانية حكمت بناءً على معارضتها للجمهورية الأولى ثم انقلابها عليها، وأن هنالك تناقضاً واختلافات داخل الصف الجمهوري تعود لأسباب قديمة وعميقة.
كانت الجمهورية الثانية هي الحركة الإصلاحية والدستورية التي تبنت انقلاب 48 لتأتي بإمام بدل إمام، وكان اعتمادها على أساليب تنظيمية وشخصيات نخبوية، وقوى معينة وتخالفات ضيقة، وما زالت تعاني من عقدة الشعب لأن الشعب وقف مع الإمام أحمد ضدها، لأن طريقة قتل الإمام يحيى كانت دخلية على الشعب، ولم يكن يعرف الشعب ما هو الدستور.
يقول البردوني لو أنها قالت العدل بدل الدستور لالتف الشعب حولها.
وظلت هذه النخبة التقليدية القديمة تحكم الجمهورية الثانية بطريقة نخبوية ومتخلفة عن التطورات، كما كان انقلابها السابق 48 اعتماداً على شخصيات لها ثقلها ووزنها بعيداً عن أي ارتباط بالشعب.
فقد كانت أقل حداثة.. رفضت الأحزاب والتعددية في خطاب الإرياني الذي قال "الحزبية تبدأ بالتأثر وتنتهي بالعمالة".
مثلت حركة التصحيح نجاحا حقيقيا للتطورات الطبيعية للثورة بناءً على تجاربها وتدفق عنفوانها ومحاولاتها وتجاربها العلمية وتنامي أحلامها الوطنية التحديثية.
فكان أن امتلكت رؤية وآليات تصحيحية عملية للإصلاح الثوري والإداري قبل أن تتحكم بزمام الأمور.
فهذا الجيل عسكرياً ومدنياً قد عايش الحلم الثوري والتجارب العملية من السلال إلى الإرياني، بينما السلال انحصرت تجربته بدائرة ضيقة للضباط الأحرار، وبالجيش. فكانت تجربة الجمهورية الثانية أقوى من السلال من حيث معايشتها للإمام والصراعات، ولكنها كانت محدودة الرؤية ضيقة الافكار، ما زالت تعيش عصر الإمام وليس الجمهورية.
أتت حركة التصحيح متتحررة من كل الأطر الضيقة ومتجاوزة كل الصراعات الجزئية، منطلقة من عمق الثورة ومن عمق تجربتها بالسلطة والعمل الوطني، فكانت أكثر اكتمالاً ونضجاً.
فلم تكن تميل بتطرف لليسار وإن أتت منه فقد تجاوزته، كما لم تكن تميل للقبيلة والمذهبية والمناطقية وإن كانت آتية من عمق النفوذ الأقوى مناطقياً ومذهبياً، كما لم تكن تميل للمبالغات والتطرفات الثورية الشكلية لأنها مشبعة بأحلامها متمثلة لقيمها الحقيقية فبلورتها إلى استراتيجيات وخطط وآليات، وحين تتبلور القيم إلى استراتيجيات عملية فإنها تختفي كل المبالغات والشكليات والشعارت.
الجمهورية الثالثة "التجلي السبتمبري العظيم"
لأنها آتية من عمق نقاط القوة كما أسلفنا فقد كانت بغاية الاتزان لا ضعف عندها حتى تلجأ إلى قوة دولية أو داخلية تحتمي بها، ولا عقدة عداء ونقص لمصارعة أحد.
فكانت مبادئ التصحيح عند الحمدي هي مبادئ وطنية بكل رقي وأتزان.
بخلاف الجمهورية الثانية برئاسة الإرياني التي قامت على مداهنة ومجاملة القوى النافذة والتحالفات معها، من منطق الضعف لأنها لا رؤية لها لبناء دولة وإنما تمتلك قدرا من إدارة السلطة التي تتقاسمها مع القوى النافذة، وكذلك كانت إدارة العلاقات الدولية بين العداء والاستجداء والاستعطاف.
شعر الأرياني بأن ما يتبلور هي ثورة تصحيحية عميقة تمتلك رؤية وآليات وتعمل بشكل متزن، وأنه لا مجال له إلا التنازل، وبالتالي أراد بأن ينتقم من الثورة عليه بطريقة ذكية خبيثة ليقتلها بعد تنازله مباشرة، فقدم استقالة جماعية... لكي تنتقم هذه القوى النافذة من الحمدي.
لكن الحمدي كان أكثر ذكاء واتزانا في التعامل مع الأمر، فعلى الأقل خاب هدف الإرياني، حين اعتقد بأن اللغم الذي الذي وضعه للحمدي سينفجر سريعاً قبل أن يتمكن الحمدي من تقديم مشروعه التصحيحي على المستوى الشعبي والوطني والدولي، لكن هذا اللغم انفجر بعد أن عرف الشعب والجميع بالداخل والخارج من هو الحمدي، وعن حقيقة مشروعه التصحيحي، وبأنه رجل دولة لا رجل سلطة.
سياسة الحمدي دولياً تبنى رؤية عدم الأنحياز.. ومع الجارة والشقيقة الكبرى تعامل معها على أساس أخوي صادق وشفاف، كعلاقة طبيعية متزنة، لا عداء فيها ولا كيد ولا ارتهان. فقال مقولته التي التي تنم عن الذكاء الدبلوماسي "حدود السعودية بداخل صنعاء، وحدود اليمن داخل الرياض"، فلا يمكن بأن يكون تابعاً ينفذ هواها وسياستها، ولا معادياً متخذاً لها مبرراً كما هي شعارات اليسار، ولا مرواغاً ومتناقضاً كما قامت بهذا أطراف أخرى.
شعبياً استطاع الحمدي أن يؤثر تأثيراً بالغاً باليمني البسيط، لصدق خطابه وإخلاصه للشعب، ونجاح سياساته العملية التي تعزز مصداقية خطابه وليس مجرد خطاب وشعارات.
إدارة الحمدي للصراعات النخبوية لم يسع خلالها لمحاربة ومجاملة طرف على حساب الآخر سواء كان تقليديا أو يساريا، على اعتبارات ذاتية أو ميلان شخصي، وإنما كرجل دولة سعى لأن يكون لكل مساراته الطبيعية، فلا أحد فوق الدولة ومؤسساتها القانونية. ولا هي الدولة طرف في أي خلاف أو صراع على أساس فكري وإيديولوجي، ولا استثمار هذه الصراعات والخلافات لصالحه فمشروعه الوطني أكبر من هذه الدوامات.