د. صادق القاضي
مقتل "البغدادي".. وسؤال: من صنع الإرهاب؟!
كما حدث إثر مقتل زعيم القاعدة "أسامة بن لادن"، أثار مقتل خليفة داعش "أبو بكر البغدادي" جدلاً واسعاً في الأوساط الإسلامية حول فرضية أن الإرهاب صناعة غربية، وأن أمريكا التي صنعت الإرهاب تضطر بين فترة وأخرى للتخلص من الأدوات التى أكملت مهمتها، أو خرجت عن السيطرة.
هذه الفرضية ليست خاطئة تماماً، رغم أن "الإرهاب" الذي يحمل علامة إسلامية، كان موجوداً من قبل أن تُكتشف أمريكا، وما تزال مرجعياته العقائدية ماثلة في النصوص الدينية، ومقدسة حتى عند أغلبية المعتدلين.
لكن هذه الفرضية ليست صحيحة أيضاً، وفي كل حال لم يصبح الإرهاب مشكلة دولية، وظاهرة عالمية، بهذه الدرجة من الخطورة والانتشار والتأثير.. إلا منذ عقود قليلة ماضية.
طوال التاريخ الإسلامي، بدايةً بتجربة الخوارج، مروراً بتجربة الحشاشين، وصولاً إلى تجربتي الوهابية والإخوان في العصر الحديث، كان الإرهاب غالباً ظاهرة بدوية محلية محدودة بلا أفق ولا طموح ولا قدرات.
فجأة.. خرج المارد من القمقم، وصار له أجنحة وأنياب ومخالب وأذرع طويلة وقدرات وقوى جبارة جعلته يواجه إحدى أكبر الإمبراطوريات في التاريخ.. الاتحاد السوفييتي.!
ما الذي حدث.؟!
لا شيء يبرر لنظرية المؤامرة، مسئولية أمريكا واضحة وعلنية، هي لم تصنع الإرهاب، بل قامت فقط بتبني هذا الكائن القديم، وسمَّنته ونظمته وطورت مهاراته وقدراته، واستغلته كسلاح قاتل لتصفية حساباتها السياسية خلال الحرب الباردة.
وبشكل عملي قامت فقط بفتح بيضتي الإسلام السياسي "الوهابية والإخوان"، على بعضهما، وصبهما في مرجل الجهاد الأفغاني، والجهاد الأفغاني هو القمقم الذي خرجت منه كل شياطين الإرهاب في العالم.
قالت "هيلاري كلينتون" إن ذلك كان مجرد استثمار ضروري، وأضافت لشبكة "سي إن إن": "دعمنا تجنيد هؤلاء المجاهدين.. وفي النهاية لم يكن استثمارًا سيئًا، فقد أسقطنا الاتحاد السوفييتي".!
غير أن واقع كون الجهاد الأفغاني كان أحد أسلحة حلف الناتو ضد حلف وارسو، يفترض ضمناً انتهاء لعبة "الجهاد العالمي" بانتهاء الحرب الباردة، ومن ثمّ إحالة المجاهدين إلى التقاعد، كغيرهم من المخلفات العسكرية الأخرى.
لكن العملية أصعب من مجرد تخلص من نفايات. لم تستطع أوروبا القرون الوسطي إقناع "حراس الهيكل" بعدم وجود حرب مقدسة، والعودة إلى بيوتهم بعد انتهاء الحروب الصليبية.
ثم إن التجربة أصبحت ثقافة عامة مؤثرة على الملايين من المدنيين، كأفراد وخلايا نائمة، فضلاً عن تكون عشرات المنظمات الإرهابية المسلحة على امتداد العالم الإسلامي.
لم ينتج التجربة الأفغانية جنودا على استعداد لإنهاء مهمتهم، وبمجرد خروج روسيا من اللعبة، بدأ هؤلاء بقتل بعضهم في أفغانستان، ثم أكلتهم طالبان، وفي ظل طالبان تمكنت القاعدة من إرسال بعض ألسن اللهب إلى أمريكا، ثم ظهرت داعش في سوريا والعراق..
هل لأمريكا دور في صناعة هذه المنظمات الإرهابية؟!
الأرجح.. لا. لكن هذا لا يعني أن أمريكا لم تستخدم الإرهاب في حساباتها السياسية بعد أفغانستان، أو أنها لن تستخدمه مستقبلاً، فهي ما تزال معجبة بالتجربة الأفغانية، وحتى الآن ما زال كبار الساسة الأمريكان يدافعون بقوة عنها، كالسيناتور الجمهوري "أورين هاتش" الذي صرح بما معناه: أنه، لو كان يعلم حينها بكل ما سيفعله "بن لادن" لاحقًا، فسيتخذ نفس القرار.