عبدالفتاح الصناعي
أنا ونيوزيمن والانتقالي والكتابة في زمان الحرب!
كان هذا العام مختلفاً وفارقاً في حياة وتجربة المجلس الانتقالي، من نواحٍ مختلفة. وبطبيعة الأمر فإن كماً هائلاً جداً من الكتابات التي نشرت عن الانتقالي دفاعاً وهجموماً، بمختلف وسائل الإعلام الدولية والمحلية.
كثيرة هي الكتابات التي سفهت الانتقالي ونالت منه بدون وجه حق، وحملته آثاماً لا علاقة له بها، وإنما مزايدات وفجور في الخصومة.
وكثيرة هي الكتابات التي غالت وبالغت في تعظيم الانتقالي ونجاحاته، ونسبت إليه من النجاحات ما لا يعرفها، ولا حتى يطمح إليها.
وقليلة هتي تلك الكتابات التي حاولت التوازن والتحلي بقدر ممكن من الموضوعية.
وفي الحقيقة فإن الانتقالي اليوم لم ينجح ولم ويفشل، فما زالت الاختبارات الصعبة أمامه التي سوف تبرهن على نجاحه أو فشله بالشكل الواضح.
وكما كان أمامه عقبات وصعوبات، فقد أهدت له الأقدار فرصا عظيمة لم يتمتع بها غيره، وكما أن له قوة دولية تتبناه وتدعمه كما هو شأن كل القوى السياسية والعسكرية، فإن له عقله المستقل وتراكمات نضالاته الشخصية والذاتية. والأيام القادمة ستفضح هل تعامل مع كل الفرص والتحديات بالشكل الصحيح، أم سقط في براثين التطرفات والاعتماد على الآخرين.
كمواطن عادي، وكاتب في هذا الموقع "نيوزيمن" -الذي يشرفني انتمائي له، لأنه كان مدرستي في انطلاقته الأولى قبل ما قد يقترب من العقدين، وفي انطلاقته الثانية ب2018، كنت سعيدا وفخورا بأني أحد كتابه.
الأستاذ نبيل مؤثر بكل القضايا والتجارب الوطنية، ومعلم عظيم لجيل متكامل تغذت أفكاره وتفتحت مداركه وآفاقه من قلم الاستاذ المتميز والراقي فكرا وسياسة وتعاملا، وعطاءً متدفقا بكل كرم. ولا أقول هذا مجاملة وتملقا، فالجميع يعرف ذلك، حتى من يختلفون معه. لكني زيادة فوق ما تعلمته من متابعتي المبكرة له، كقارئ، حظيت بدعمه ليصنع مني كاتبا، وأعطاني من الاهتمام والتشجيع الكثير.
حين كان يضيق الجميع من أفكاري، أعطاني الاستاذ سقفا عاليا للتعبير الحر عن أفكاري. وهذا ما جعلني أعتقد جازما بأن الاستاذ شخصية وطنية ومهنية لا نظير لها، يقدر ويحترم ويشجع الآراء والأفكار والتجارب والمحاولات الجادة مهما اختلف معها.
ورغم أني كتبت هنا منذ 2018 فإني لم أتناول الانتقالي إلا في العام 2019، وقد تنوعت وتعددت أساليبي وأفكاري، تأييدا، ونقدا، وتحفظا. ولعل هذا يكون تناميا طبيعيا كتطورات بسيطة وواقعية في حياتي المهنية، ولربما غير ذلك.
ولاشك بأن طبيعة التجارب الشخصية والعامة مؤثرة في هذا، في حالة إن كان يشير إلى بعض من النضج ومحاولات التوازن، فالأمر كذلك طبيعة تركيبة الانتقالي الذي يمثل قضية مصيرية معقدة، في واقع ووقت خطير مليئ بالتعقيدات والتناقضات، وطريقة أدئه العامة التي يشوبها كثير من الأخطاء والقصور والضعف، وبنفس الوقت تحسب له ايجابيات ونقاط قوة وتميز. وهذا يفرض عليك بأن تقف معه من ناحية وتنتقده وتنصح له من ناحية أخرى.
إن إحدى مصائبنا هو المبالغات بعداوتنا وتأييدنا إلى الحد الذي يفقدنا الموضوعية تماما، وكذلك يكون نتاجه سلبياً، سواء كان تأييدا مبالغا به أو عداءً ونقدا مبالغا به.
تعد وظيفة الكاتب ومسؤوليته الأساسية هي: صناعة الوعي، وفي زمان الحرب، إضافة إلى هذا، هو إعادة البيئة السياسية، لتكون صالحة للعمل السياسي الوطني، وطي صفحة الحرب والصراع. وليس بأن يكون مدربا للمقاتلين فلا يقرأ مقالنا مقاتل ولا يحتاج إلى هذا ليقاتل ببطولة، بقدر ما يقرأ لنا شخص يبحث عن الوعي.
كنت أجد نفسي أتحيز لهذه الفكرة، مع أني وقعت وما زلت بكثير من الأخطاء والتطرفات.
هنالك نوعان من الكتاب: الأول ينطلق من القراءة السياسية العامة للوضع ليقف في سياق طبيعي ليؤيد معركة ما وبصف طرف عسكري محدد، وهذا النوع لن تجده يدافع عن خطأ أحد، مهما أنحاز إلى طرف معين لوجهة نظره بأنه يمثل المعركة الوطنية، أو بالأقل يسعى لفتح أفق. وهذا الكاتب هو صاحب الرأي الحقيقي، ومهما وقع بأخطاء طبيعية، فإنه يتعامل معها بمسؤولية، وينتج وعيا وطنيا، لمسار التجارب الوطنية والسياسية باختلاف كل مراحلها وتغيراتها وتناقضاتها.
وهنالك النوع الثاني الذي يقرأ المعركة كاملة من وجهة نظر قوة عسكرية ما، فتجده يغالي بالطرف العسكري والسياسي الذي يقف معه بأكثر مما ينبغي، ويشيطن ويتهم الآخرين بأكثر مما يجب.
وهذا النوع يبيع الوهم والزيف ويروج للأكاذيب، وينشر البهتان، وهذا ليس صاحب رأي ولا يحترم شرف الكتابة، ولن يكون مفيدا ونافعا لا لنفسه ولا للقراء ولا للطرف الذي يقف معه.
في مساحتي هنا، وبصفحتي الشخصية، كغيري من الكتاب والناشطين، عبرت هذا العام عن رأيي في الانتقالي والمراحل والخطوات التي قطعها. وقد اختلفت وتعددت بين تأييد ونقد واضح، وبين تحفظات بالنقد والتأييد.
في بداية العام 2018 كتبت هنا، أول مقالاتي عن الانتقالي تحت عنوان "الجنوب وحلم الدولة" وبعده بأسابيع كتبت مقالا آخر بعنوان "الانتقالي إذ يمد جناحيه ليحلق عالياً”. وهذان المقالان هما الأكثر تأييدا، فقد كان الأول قراءة عامة لمسار الحراك الجنوبي، بينما الثاني كان تأييدا لتحركات الانتقالي السياسية خصوصا وأن الأمر كان في وقت تفاهماته وزياراته للقوى الدولية العالمية، لا سيما روسيا وبريطانيا وامريكا.
وبعد هذا كتبت بعنوان "إلى التحالف والزبيدي ومعين وسالمين هنا عدن معركة النصر أو الهزيمة" داعيا إلى رؤية سياسية وتنموية لحل الصراع السياسي، وتنمية عدن والجنوب بشكل عام، وتعويضهما عن كل ما حرما منه، باستغلال تواجد التحالف اليوم، وأن تحقيق هذا النجاح السياسي والتنموي سيكون نجاحا للتحالف وللانتقالي ولمعين وسالمين، كما أن الإخفاق والصراع هو فشل للجميع.
وفي مرحلة معركته العسكرية مع الشرعية، كتبت كثيرا عن تأييدي له كقوة جديدة، وبما يمثل من قضية مصيرية، وكذلك فقد اختلفت معه وانتقدته، وأيدت اتفاقاته السياسية واختلفت مع طرقها وتفاصيلها، كما نقدت بعض طرق تفكيره وقصوره الإعلامي السياسي.
فكتبت مؤيدا الحل السياسي في ذروة الصراع، بعنوان "التوافق الدولي فرصة للحل". كما كتبت نقدا لتخندق الانتقالي بعنوان "الانتقالي بين الرؤية السياسية للقضية والتخندق الجنوبي".
أخيراً:
إن خلاصات الثورات السياسية والفكرية، والتطورات الحضارية هو: نسف كل معتقدات التقديس لا سيما للسياسة والدولة، وجعلهما جهدا بشريا محضا مهما كان نضالهما فإنه يعتريهما الخطأ والنقص، وبأن للرأي السياسي حرمة واحتراما مهما كان خطأه ما دام هو رأيا. ومن العلاقة الجدلية بين الآراء الحرة والتجارب المختلفة ينضج الوعي وتتطور التجارب وتنجح المحاولات.
فينبغي علينا احترام الآراء كما هو احترام التجارب والمحاولات، والمحافظة على التوازن، لتثمر الآراء وتنجح التجارب والمحاولات، إن أردنا السير في الطريق الصحيح.