د. صادق القاضي
النمس والجرذان.. والحروب بالوكالة في اليمن!
لا أحد يدري من هو صاحب تلك الفكرة، لكن يبدو أنها أصبحت الخيار الأخير لأهالي جزيرة "هاواي"، الذين بادروا عام 1883، بجلب عدد من حيوانات النمس لتحارب -نيابةً عنهم- الجرذان التي دمرت محاصيل قصب السّكر، وعجزوا عن السيطرة عليها.
الفكرة معقولة مبدئياً، من باب ضرب فصيلة بفصيلة أخرى، أو حسب تعبير أحد الحكام الأئمة القدماء لليمن:
فلأضربنّ قبيلةً بقبيلةٍ .. وﻻجعلنّ ديارهنّ نواحا
الحروب بالوكالة هي الشكل السياسي لهذه اللعبة التي انخرط فيها العرب في العصر الحديث:
- أحياناً كبيادق إقليمية للاعبين دوليين، خاصة خلال الحرب الباردة.
- وأحياناً، ربما في نفس الوقت، كلاعبين ببيادق محلية كالإخوان والوهابيين الذين تم جلبهم لضرب القوميين واليساريين في أكثر من بلد عربي.
لكن هذه اللعبة التي تبدو سهلة وغير مكلفة، خطرة وغير مأمونة العواقب، وباهظة التكاليف أحياناً، وكثيراً ما تنفجر البيادق في وجوه اللاعبين.
في مصر دفع الرئيس السادات في "حادثة المنصة" رأسه ثمناً لدعم الإخوان وتمكينهم وجلبهم إلى الحياة السياسية.
في اليمن، ومع أن الرئيس صالح أمهر من السادات في "الرقص على رؤوس الثعابين"، فقد كاد يدفع رأسه ثمناً لنفس المجازفة، على يد نفس البيادق، في "حادثة النهدين".
سيقول بعضهم إنه دفع رأسه فعلاً في مرحلة لاحقة لمشاركته في نفس اللعبة على يد الحوثيين، وهذا صحيح جزئياً، إذ إن جلب الحوثيين إلى صنعاء، تم من قبل أطراف كثيرة، بدايةً من عام 2011:
- بدايةً بالإخوان الذين قاموا بتزكيتهم، وجلبهم للساحات ضد صالح.
- ثم الرئيس هادي الذي دعمهم إلى درجة استقبالهم في عمران، باعتبارهم جنوده و"أعادوا عمران إلى حضن الدولة"، وعلى هذا الأساس جلبهم إلى صنعاء ضد صالح.
- وصولاً إلى الرئيس صالح الذي طمع هو الآخر، في توجيههم ضد هادي والإخوان.
- لكن أكبر من شارك في جلبهم، هو قطاع واسع من الشعب، اعتبرهم قوى ثورية نقية، وراهن عليهم في القضاء على الإخوان الذين أفرغوا التجربة الجمهورية من مضمونها، ونخروا الدولة، ودمروا المكتسبات الوطنية.
الإخوان سيئون فعلاً، وأخطر على اليمن من الجرذان على الثروة الزراعية لهاواي، لكن جلب الحوثيين إلى صنعاء، لم يكن مدروساً، وسرعان ما دفع الجميع ثمن تلك المكايدات والمواقف المرتجلة، وفي كل حال:
غاب عن سُكّان هاواي أن النمس حيوانٌ نهاري والجُرذان حيوانات ليليّة، وغاب عن أهل اليمن أن المرشد هو المرشد، وأن الإسلام السياسي الشيعي لا يختلف كثيراً عن نظيره السني..!
المهم، فشلت التجربة، وكانت النتائج كارثية في الحالتين. اليوم:
- هاواي تعاني من فتكات حيوانات النمس على الحياة الحيوانية، وفساد الجرذان على الحياة الزراعية.
- واليمن تعاني من فتكات وفساد الحوثيين والإخوان على كل جوانب ومستويات الحياة السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية والزراعية والبيئية..