عبدالفتاح الصناعي
المثقف من نتاج للأزمات إلى إضافة مأساوية نوعية!
أصبح المثقف اليمني في حالة أكثر من التيه: اغتراب عن واقع بلده ومأساتها، ودوره الذي ينبغي أن يكون في ظروف هكذه، وابتعاد عن مواكبة التطور الثقافي والتجارب التي خاض فيها قامات فكرية عتيقة، ومبتذل مع جماعة دينية بمزايدات ومبالغات أكثر من مؤسسيها وأبنائها. وابتذال آخر بمحاولته صنع معارك فكرية وانتقادات وإساءات للدين، كصراعات عدمية بمنطلقات فكرية هزيلة وسطحية مقززة تنم عن حالات هستيرية، وخوى وتبلد ذهني.
يتجاهل المثقف اليمني مشكلة استخدام الدين بالسياسة، ويصبح بوقاً وأدة رخيصة لهذا.
كما يتجاهل مشكلة استخدام الدين بطريقة أخرى للسياسة كذلك، عبر طريقة النقد الفوضوي للدين واستفزاز معتقدات الناس.
أصبح المثقف متاجرا بالدين والوطن والقيم بهذه الطريقة أو تلك.
جوهر رسالة المثقف ليست أن يكون واعظاً تقليديا، ولا كذلك أن يكون ماجنا مستفزاً، لا داعيا للإيمان ولا داعياً للكفر والإلحاد. هذه معتقدات خاصة لكل إنسان حرية اختياره (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر).
ولكن رسالته هي النقاشات الثقافية الجادة، وفتح الآفاق المعرفية والسياسية، والاهتمام بالمشترك الانساني العام على مختلف الأصعدة والأبعاد.
يغرق المثقف بشبر ماء ويستهلك نفسه وجهده بتحيزات ضيقة، فيدور داخل متاهات ودوائر مغلقة من الأزمات، أنتجها بالأمس وأصبح اليوم يعيد انتاجها أو ينتج أزمات جديدة.
يستخدم المثقف اليمني العلمانية ليعيش عالة عليها دون أن يعيها ويتجاهل بأنها تعني احترام الأديان والمعتقدات. كما يعيش على ولائه لجماعة دينية أو نقده للدين بأساليب رخيصة لا تثري نقاشا فكريا جادا، ولا تعبر عن منهجية معرفية، ولا تدخل في ضمن حرية الرأي والمعتقد.
تتطور أزمة المثقف تعبيرا عن تفاقم الأزمة العامة للبلد على مختلف المستويات ومختلف التفاصيل، التي من الطبيعي اشتعال أزماتها، وتداعيات المعارك الجانبية والقضايا الثانوية، ناهيك عن أزمة خوض المعارك الصحيحة بأساليب وطرق خاطئة.
والمأساة الأكبر أنه حين كانت هنا تقع المسؤولية على المثقف لإعادة سبر أغوار القضايا الفكرية والسياسية وإحداث المراجعات الوطنية.. أصبح المثقف أكثر ابتعادا عن احساس هكذا، بل غرق وتشعب في أزماته حتى تطور من نتاج طبيعي للأزمات وعاجز عن مواجهتها إلى وإضافة نوعية مأساوية لأزمة البلد.