عبدالفتاح الصناعي
عقد عرفت فيه أبطالي وودعتهم.. آخرهم شحرور
عقد من عمري في القراءة والاطلاع في ميدان الفكر وهموم الأمة لنهضتها وحضارتها، قرأت للجميع بانفتاح كامل دون استثناء بنهم معرفي كبير، بحثا عن الحقيقة والفكرة من أين أتت، ومن الطبيعي في أي مجال بأن يكون للشخص أبطال محددون.
محمد عابد الجابري، جورج طرابيشي، محمد شحرور.
هؤلاء أهم ابطالي الذين عرفتهم بهذا العقد من عمري وودعتهم فيه وآخرهم محمد شحرور.
تعيد بي الذاكرة اليوم لأول وهلة وجدت اسم محمد شحرور، وأنا أقرأ دورية ثقافية محترمة، في ملف خاص يتكلم عن أزمة الفكر الإسلامي وأزمة الجماعات الدينية، وكان من ضمن كتاب هذا الملف محمد شحرور، ومحمد عابد الجابري، رحمهما الله.
في تلك الفترة كنت قد تعرفت على الجابري وأفكاره، وعشقت المفكرين قبله أمثال: مالك بن نبي، وعباس العقاد، وافكار محمد عبده والافغاني.
وجدت طرح شحرور يستهويني أكثر من افكار الجابري التي كانت رائجة أكثر في الوسط الثقافي.
وفي اعتقادي بأن الجابري متأثر بالإيديولوجيا أكثر من قدرته على نقدها وتجاوزها، تكمن نقطة قوة الجابري بأسلوبه التربوي الرائع وموسوعيته الثقافية، وقدرته على طرح الفكرة العامة، فتجد غالبا بأن مجرد عنوان لمقاله أو كتابه فكرة واضحة وحل اشكالية.
كنت وما زلت أجد نفسي في صف جورج طرابيشي ونقده لكتاب الجابري، "نقد العقل العربي" بكتابه "نقد نقد العقل العربي". فقد احتوى الكتاب على نقد منهجي موضوعي لمشروع الجابري في نقد العقل العربي، مع اعتراف طرابيشي أن نقد العقل العربي مشروع هام ولا بد منه وبأن الجابري استاذه ولكنه نقد الأخطاء الفنية والمنهجية التي وقع فيها الجابري.
رحل الجابري قبل الربيع العربي بايام، وقال بعضهم بأن إعلان الجابري لفقدان الأمل كان خاطئا ولو عاش أياما قليلة كان رأى الأمل قد تفجر في الربيع العربي.
وتفاءل طربيشي بالربيع العربي، وسرعان ما أعلن صدمته وخيبته وبأنه فقد الأمل تماما، ولحق طرابيشي وهو حزين متألم، كان قد أعلن تألمه وانعزاله.
واليوم يلحقهما محمد شحرور الذي كان محاربا عظيما شريفا أخلص للفكر وابتعد عن السياسة وحلق في تأملات النص القرآني.