د. صادق القاضي
الهاشمية السياسية.. والعنصرية المضادة في اليمن (2 - 2)!
من السهولة بمكان مواجهة العنصرية السلالية الهاشمية بعنصرية سلالية قحطانية مقابلة، وتأكيد أفضلية العنصر اليمني على العنصر القرشي، بموجب نص قرآني صريح: {أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ}!
السؤال هو: هل هذه الأفضلية جدّية.. وهل هي مجدية حتى كوسيلة ميكيافيلية لخدمة الهدف الجمهوري.؟!
أولاً: هذه المفاضلة القرآنية، هي في القيم الحضارية لا الجينات الوراثية، وهي مفاضلة تاريخية انتهى عهدها، كمقارنة بين فئتين في زمنين محددين: قريش في عهد الرسول (ص)، واليمن في عهد الدولة الحميرية.
ثانياً: هناك في المقابل أحاديث كثيرة تزعم العكس، وأن قريشاً خيار الخلق "سلالياً"، وأن بني هاشم خيارٌ من خيار، وأن هذه الأفضلية دائمة.!
صحيح. لا يمكن تصور أن تصدر مثل هذه الأحاديث العنصرية عن رسول الله إلى العالمين، لكن الحاصل أن الناس يؤمنون بها، وأنها حاضرة ومؤثرة في الوعي الشعبي اليمني أكثر من الحقائق العلمية والآيات القرآنية.
هذا بحد ذاته يجعل المفاضلة السلالية تصب عملياً في صالح القرشية، وبالتالي في صالح الحوثية والهاشمية السياسية عموماً، على حساب القضية اليمنية. نظراً لأن:
- الفكرة السلالية فكرة تقليدية تتلاءم مع الثقافة التقليدية، والمجتمع اليمني تقليدي في معظمه، وهناك هالة عاطفية مقدسة يحظى بها "العرق النبوي"، في الثقافة الشعبية العامة.
- الإسلام السياسي الآن ومنذ عقود في عصره الذهبي، على امتداد المنطقة، والمتدينون المتناحرون، سنة وشيعة، متفقون مبدئياً على أفضلية قريش، والأحقية الدينية للعرق الهاشمي بالسلطة.
- الانخراط في المفاضلة العرقية. يعني نجاح الحوثي في جر الآخرين إلى ملعبه العنصري، وفرض معاييره وأدواته الكهنوتية عليهم، بدلاً من جره إلى الملعب المدني، وفرض معايير وأدوات الدولة والشرعية الدستورية عليه.
- أعداد غير قليلة من الهاشميين رفضت التطفل والتلبس والاختراق العنصري الحوثي، لشريحتهم، واتخذت موقفاً وطنياً مسئولاً منه، امتداداً لرؤية كثير من أجدادهم الذين ناهضوا الكهنوت الإمامي، وانحازوا كغيرهم لثورة 26 سبتمبر المجيدة.
لا شك أن هؤلاء تعرضوا ويتعرضون للكثير من الأذى من بني جلدتهم العنصريين الموالين للإمامة والحوثيين، ومن غير المعقول، ولا المقبول أن يتعرضوا أيضاً للأذى من قِبل عنصريين آخرين يقفون في الصف الجمهوري.!
ينبغي إدانة هذه العنصرية المضادة، على الأقل لأنها تعمل على عزل الهاشميين الأبرياء عن غيرهم من اليمنيين، وربما تدفع بهم للاحتماء بالحوثي، وتضمن له التمثيل الحصري لهذه الشريحة الاجتماعية المنتشرة في مختلف أرجاء اليمن.
خلاصة القول:
• السلالية سلاح سياسي رديء ذو حدّين، يجرح اليد التي تستخدمه، بالشكل الذي أضر بالحوثيين وعزلهم عن المجتمع اليمني، بقدر ما قد يضر بالقضية اليمنية، وينحرف بها عن مسارها الصحيح إلى هاوية العنصرية وردود الأفعال.
• المشكلة اليمنية هي في "الهاشمية السياسية"، لا في الهاشميين، والخلط بينهما، بجهل أو بلؤم، تعميم غير مسئول يتم على حساب قيم الدولة والمواطنة والجمهورية والحرية.. التي تشترط مع رفض المشروع الحوثي، رفض المرجعيات التي يتكئ عليها، والأدوات التي يتعامل بها، ورفض النزعة العنصرية، والثقافة الكهنوتية التي أنتجته.