عبدالفتاح الصناعي
استثمار القلق والشعور بالخيبة أجدى من إنتاج المزايدات واستهلاكها!
أدبيا وعلميا، تتفق العديد من النظريات حول مسألة الفوائد الإيجابية للقلق، كدافع للعمل والإنجاز، وإضافة لمسات جمالية وحيوية على الحياة، كحماية لها دون أن يقتلها الملل والجمود. وبالتأكيد أن جميع النظريات التي تتبنى هذا الموقف، تقصد القلق في مستواه الطبيعي، كما تبدو هذه المواقف من الناحية الجوهرية أكثر انفتاحا على الحياة، ومحاولة فهم الطبيعة الإنسانية.
بينما النظريات والمواقف التي تمحورت حول الجانب الشكلي من الحياة، وعدت القلق بصفة عامة خطرا، ورأت فيه تعبيرا عن الفراغ وحسب، وتصدرت لمحاربته، انتهت إلى نهايات مسدودة، حتى بعض هؤلاء على المستوى الشخصي، وليس النظري وحسب.
قبل سنوات كان بسهولة وإجماع عام، اعتبار الشخصيات القلقة جدا بشأن مآلات الصراع، ومستقبل البلد الغامض والمخيف، والتشاؤم من الأيام القادمة لأنها تنظر لها بأنها حبلى بأحداث مأساوية. شخصيات مريضة ومعقدة.
ولكن أثبتت الحقائق على الواقع بأن هذه الشخصيات، لم تكن مبالغة ولا متشائمة بطبيعتها الشخصية، وإنما كانت ملهمة وتقرأ الأمور بالطرق الصحيحة.
هكذا اتضح بجلاء بأن هذه الشخصيات لم تكن تعبر عن حالات مرضية، بل كانت الحالة الصحية والطبيعية، ولو تم الاعتبار لهذا القلق والسخط من قبل أصحاب القرار، لكان بالإمكان إصلاح كثير من الأمور، واستطعنا تعديل خارطة الأحداث.
إن الأخطر في الأمر بأن أصحاب هذه الحالة الطبيعية والصحية، ما زال حتى اللحظة ينظر لهم كحالات مرضية، ناقمة على الجميع "لا يعجبها العجب ولا الصيام برجب".
فإذا كان هنالك فعلا نوعا من العدمية، بهذه الموقف، كعدمية اضطرارية محددة، أو عدمية مرتبكة بارتباك القضايا والأحداث.. فإن العدمية الأكثر مبالغة ومرضا وتقليدا، هي تجاهل هذه المواقف التي تنظر للقضايا بحد ذاتها دون الاعتبار والنفاق للأطراف المختلفة.
الموقف النقدي للجميع، باتزان نسبي دون مبالغة، ثقافة لا تزال جديدة، ولم يستطع أحد تقبلها، والتعامل معها بذهنية جديدة، قادرة على فهم مواقفها العامة، كمواقف تتعامل مع جوهر القضايا العامة، وليس مع الأطراف اللاعبة حتى على المجتمع النخبوي، الذي أصبح تقليديا أكثر تخلفا.
وبالتالي تكون النهاية مؤلمة على المستوى العام، والشخصي.
فحين كان يجب الاستلهام منها، والاستفادة من القلق والفكر النقدي الثاقب، فإنه للأسف يتم الدفع بأصحاب هذه المواقف، بطريقة أو بأخرى، نحو العدمية الحقيقية والتطرفات المرضية، والمزايدات الرخيصة.
فما زلنا مجتمعات تصنع الظالم والمظلوم، وتصفق للمتطرف، وتقف مع الأقوى وليس مع الأصح، وتنظر للاعبين على الساحة لتغالي بأحدهم، ولا تسعى نحو التوازن، وتحكم على الأفكار والمواقف. فالمزايدات والتطرفات هي البضاعة الرائجة التي نجيد صنعها واستهلاكها.