لا يمكن لأي ناشط سياسي أو حتى مواطن عادي يتمتع بقدر من الإنسانية وحب الخير والميل إلى السلام إلا أن يتمنى أن تكون الأحداث العسكرية الأخيرة في مناطق نهم بين محافظتي مأرب وصنعاء الشماليتين بدايةً لنهاية الحرب الفظيعة التي أكلت الأخضر واليابس في بلد تضاءل اخضرارها وانعدم يابسها إلا من الصخور والغبار.
وكل من يتمنى نهاية هذه الحرب، لا يمكن إلا أن يتمنى انتصار الحق والعدل وقيم المواطنة والمدنية والقانون.
ولأن الطرف الانقلابي قد برهن بأنه ليس أهلاً لهذه القيم، فإن هذا لا يعني أن الطرف الآخر (الشرعية وحلفاؤها) قد برهنوا أيضاً على أهليتهم لها، وهو ما يضيق من مساحة أنصارهم ويوسع مساحات المتشككين والمترددين إزاء نصرتهم، أما الشعب اليمني فكلا الطرفين يتحدث باسمه، ولا أحد منهما يعير أي اهتمام لمعاناته وآلام أبنائه وبناته.
من المؤسف أن إعلام الطرفين يتعامل ببغض شديد مع الحقيقة التي قد لا تكون دائماً محبذة، فكلاهما يزعم بأنه قد سحق الطرف الآخر وجعله على مقربة من رفع الراية البيضاء، وتأتي الأحداث على الأرض لتقول شيئاً مختلفاً عما يدعيه الطرفان.
نحن نستبعد فرضية أن ما يجري هو مجرد مسرحية اتفق عليها الطرفان للهروب من التزامات واتفاقات سبق توقيعها بينهما أو مع أطراف أخرى (اتفاق ستوكهولم، واتفاق الرياض) لكننا نعود للتأكيد مرةً أخرى أن ما نتمناه هو أن ينتصر مشروع الدولة على مشروع السلالة، والانتقال باتجاه حلحلة الملفات العالقة، وأشير هنا إلى أن الجنوبيين قد قدموا في سبيل هذا الهدف قوافل من الشهداء وأنهاراً من الدماء وما يزالون اليوم ومنذ هزيمة المشروع الانقلابي يواجهون هذا المشروع البغيض (كما في جبهة الضالع مثلاً) في حين كانت قوات الشركاء (الشرعيين) تقتحم مواقعهم ومحافظاتهم في شبوة وأبين وتتهيأ للانقضاض على عدن التي لم تبذل (تلك القوات) يوم تحريرها طلقة رصاص واحدة في سبيل ذلك الهدف العظيم.
نحن مع كسر مشروع السلالة ونصرة وتعزيز مشروع الدولة، لكن السؤال الذي يطرحه الجنوبيون هو، ماذا تفعل عشرات الألوية (الشرعية) (الشمالية) في وادي وصحراء حضرموت والمهرة وشبوة وهي تواصل رحلة الاستجمام والسبات المؤبد منذ 1994م، في وقت يتعرض فيه أشقاؤها في جبهات الشرعية للتهديد وربما للهزيمة (لا سمح الله) في نهم وصرواح ومفرق برط وسلسلة جبال هيلان؟
والسؤال الثاني هو ماذا سيقدم الشرعيون للجنوب والجنوبيين في حال صدقوا في هزيمة المشروع الحوثي هذه المرة؟ هل سيتعاملون مع مطالب الشعب الجنوبي بجدية واحترام أم أنهم سيتصالحون مع الحوثيين ليتشاركوا معهم الانقضاض على الجنوب وتطلعات شعبه وأماني أجياله، كما في كل مرة؟
وأخيراً، ليكن الانتصار الذي يتمناه الجميع انتصاراً للحق والعدل والحرية واحتراماً لإرادة الشعبين الشمالي والجنوبي لا بداية لحرب جديدة بين شعبين شقيقين لا علاقة لهما بمصالح أمراء الحروب والمستثمرين فيها.
* من صفحة الكاتب على الفيسبوك