عبدالباري طاهر

عبدالباري طاهر

تابعنى على

د. حمود العودي رحلة كفاح

Sunday 01 March 2020 الساعة 07:28 am



الدكتور حمود العودي قيادي قومي مؤصل وعالم اجتماع.
 المحتفى به الأستاذ الجليل الدكتور حمود العودي من طلاب الستينات، ومن كوكبة التعليم الحديث (تعليم ثورة السادس والعشرين من سبتمبر).
ارتبط العودي بالاتجاه القومي التقدمي، وكان في طليعة الداعين والمدافعين عن الثورة والجمهورية والقيم والمبادئ الثورية. لمع نجمه في القاهرة كدارس وباحث. 
أصدر كتابه المهم «المنظور العلمي للثقافة»- الكتاب الذي قدم رؤية جديدة عصرية ومختلفة ومغايرة. أثار الإصدار جدلاً واسعاً، واستقبالاً حسناً.
في القاهرة أصبح العودي نجماً لامعاً من طلاب الدراسات العليا. 
فمنذ البدء مثل الطالب المجد والمجتهد الربط بين التعليم والكفاح الوطني؛ فكان مبرزاً في الطلب، وعضواً ناشطاً في حركة القوميين العرب، ومنافحاً عن آرائها وأفكارها.
بعد قيام حركة الـ 13 من يونيو 1974 قرأ فيها المثقف العضوي الدلالات والمعاني الوطنية الرائعة لبناء الدولة العصرية الحديثة (دولة النظام والقانون)- الشعار الرائس لحركة يونيو-، كما قرأ فيها ودعا إلى تأسيس التعاونيات، والتنظير المدرك لأهمية التعاون في ربط الريف بجسد الدولة، والقضاء على سلطة الشيخ والعاقل في الريف، وهما أهم ركائز الحكم الإمامي الممتد لعدة قرون.
لعبت التعاونيات دوراً ثورياً رائعاً في بناء سلطة محلية مدنية، وفي إيصال الطريق والماء والكهرباء، وإدخال التعليم الحديث إلى مئات وآلاف القرى البعيدة والمعزولة عن جسد الدولة. 
كان المفكر والباحث حمود العودي في طليعة الداعين والمنظرين البارزين لهذا النهج الذي ترك أثراً عميقاً في مختلف مناطق الـ ج. ع. ي.
أسس مجلة التعاون «الغد»، وصحيفة «التعاون» التي عملتُ فيها لفترة قصيرة بعد الطرد من صحيفة «الثورة». 
كان العودي رئيساً لمجلة «الغد»، ومعه الزميل محمد علي هادي كسكرتير تحرير. وهادي عضو في قيادة نقابة الصحفيين ومسئول ثقافي فيها. اعتقل هادي في مطلع الثمانينات، وقتل تحت التعذيب.
يعتبر الدكتور العودي من أوائل أساتذة علم الاجتماع في جامعة صنعاء. دَرَّسَ العشرات والمئات من الطلاب والطالبات.
كتب ولا يزال عشرات الأبحاث والدراسات والكتب، ودرس وتخرج عليه العشرات والمئات من الطلاب والطالبات، وغرس شتل المعرفة وأنوارها في عقول الطلاب.
بداية محنة هذا المفكر المنير والمستنير أحد طلابه الموبوءون بجرثومة التكفير. 
فقد سجل على أستاذه ما يدرسه لتلاميذه من فكر عقلاني ومستنير، ومثل هذا التدبير الكيدي لا بد وأن يكون مدبراً بليل. 
بدأت فصول المكيدة مطلع الثمانينات، وتحديداً في 17 يناير 1985، فقد تقدم حمود الذارحي ومحمد طارش ومحمد علي المؤيد وعمر أحمد سيف إلى النيابة العامة بدعوى احتساب ضد الدكتور حمود العودي بأنه صدر عنه في مؤلفاته الكفر بالله والاستهزاء به، والكفر بالقرآن، والكفر برسول الله، وإنكار عصمته، وتكذيبه، وإنكار الغيب، والاستهزاء به، والكفر بالقرآن وبرسول الله، والطعن في الإسلام، والطعن في الصحابة، واتهام اليمنيين بالكفر والنفاق، والترويج للشيوعية والدعوة لها، والتمجيد لزعمائها، وتمجيد المرتدين بقيادة الأسود العنسي؛ مطالبين إلقاء القبض عليه، والتحقيق معه، ومحاكمته، مبدين استعدادهم لتقديم الأدلة.
أحال النائب الشكوى إلى نيابة صنعاء؛ فأخذت أقوال أحد المحتسبين، وفي الثاني والعشرين من الشهر نفسه أخذت أقوال المتهم، فتبرأ منها، وفي المساء اتصل أحدهم بالتلفون يهدده بالقتل. حينها كانت منطقة الأستاذ الأكاديمي مشتعلة بالكفاح المسلح ضد فساد واستبداد حكم صالح المتحالف مع تيار الإسلام السياسي، وقد أطلق صالح يد الإسلام السياسي في التعليم، وفي الأوقاف وفي الشأن العام، وزود شبابهم بالمال والسلاح؛ لتشكيل الجبهة الإسلامية في مواجهة الجبهة الوطنية الديمقراطية في المنطقة الوسطى حينها.
لقد جاء تكفير الدكتور الجليل ومحاكمته والحكم عليه بالإعدام بمثابة إعدام لكل المثقفين والأدباء والمفكرين اليمنيين؛ فالعودي هو الفادي للجميع.
لم يكن الدكتور حمود أول من كُفر، ولكنه أول من حوكم وحكم عليه بالإعدام، وكان معرضاً للقتل خارج القانون وبدون حكم.
التكفير والتخوين عملتان متداولتان في اليمن لأزمنة متطاولة تبدأ بعبهلة ورفاقه الذين دافع عنهم العودي، ولكنهما في الثمانينات أصبحا نهجاً شاملاً ووباءً اجتاح الجمهورية اليمنية، وتحولا إلى مقصلة لكل صاحب رأي معارض. فقد كُفر المقالح والرازحي ووجدي الأهدل وسالي الأديب والمقري وأحمد العرامي وسليمان الأهدل وأمة العليم السوسوة وعشرات وعشرات. أذكر بداية عهد الحمدي كُفرت رؤوفة حسن ومحمود الحاج واليازلي في منشور، ولكن رجل الدولة أحمد دهمش أسكت صاحب الصوت، وألزمه الانزواء.
ميزة الدكتور حمود أنه لم يصمت، وإنما ظل يقارع المقصلة والسيف الصدئ بالحجة والبرهان، ووثق لمحنته القاسية ورفعها إلى أعلى المستويات عربياً ودولياً؛ فقد قام بنشر الحكم البشع، وعقب عليه، وفضح الحكام وأذرعهم المتأسلمة والملطخة بالدماء.
التكفير والتخوين في اليمن جبل جليد يغطي الأرض اليمنية كلها قديماً وحديثاً، وهو أب شرعي للحروب، وابن لكل الفتن والمصائب.
فضيلة المحتفى به الربط بين القول والفعل، وبين حرية الاعتقاد وصدق الالتزام. الدكتور حمود العودي أكثر التزاماً وأداءً للقيم الإسلامية ربما أكثر من مكفريه الإسلامويين.
الدكتور الآن هو المسئول عن نشاط «منارات» ولعدة عقود. وسع الدكتور من نشاط المنتدى، كما أسس ورفيقه الأستاذ عبد الرحمن العلفي «المجتمع المدني للسلم والمصالحة الوطنية» والذي يضم عدة منظمات من المجتمع المدني.
من خلال المجتمع المدني الذي يحظى باحترام وتقدير مختلف الأطراف تحرك الدكتور وفريقه إلى أكثر من منطقة مشتعلة لإصلاح الكهرباء في مأرب، وصرف المرتبات في عدن، وفك الحصار عن تعز، وكان ولا يزال الصوت الداوي لوقف الحرب، وتحقيق المصالحة الوطنية، وقدم العديد من الرؤى والبيانات والمعالجات والنداءات السلامية. لن يتوقف كفاح هذا الفادي عند تخوم مواجهة الصعوبات والمصائب القائمة، وإنما يستشرف آفاق المستقبل للحفاظ على الكيان اليمني إنساناً وأرضاً.
* من صفحة الكاتب على الفيسبوك