رامز الشارحي

رامز الشارحي

يوم من التاريخ يا سيادة القائد

Saturday 21 March 2020 الساعة 02:25 pm

أنت وحدك من يستطيع حشد هذا الجمع وقياداتهم، وحدك من يصنع الهيبة حتى في رحيله، هيبة وجسدك ممتد على نعش خشبي وقطعة قماش مخضبة بالوطن. يوم من التاريخ يا سيادة القائد.

لم تكن جنازة تشييع كما وصفها البعض. هذه ملحمة تخطوها أنت وترسم ملامحها، خط سير وحيد للنجاة، هكذا خاطبت الجمع وهكذا ودعتهم.

حتى الأكتاف التي حملت جسدك إلى مثواه الأخير ترتجف من الرهبة، ثقيل بالهم الذي يسكن جسدك، بالقضية السامية التي حملتها على عاتقك. بندقيتك حاضرة وأولى الطلقات تهتف بالقضية. هذه الطلقة لا تخطئ طريقها ولا تعرف غير العدو المشترك. هذا خطابك المشهود والمنشود.

صوتك لا يفارق مسامعي، لن أذهب إلى ما يسعى إليه البعض والطلقة الأولى سأتلقاها في جسدي ولن أطلقها. وها أنت تحملها وتذهب غير مكترث بمشاريع الصغار.

لا أحد يشبهك، لكن هناك الآلاف يحملون قضيتك، الآلاف تمنوا أن يحظوا بوداع كما صنعت أنت وحشدت الناس لتوضح المسار وتنفض الغبار من على الخارطة.

عيون جنودك تلمح بعضها، أقدامهم تحفر في الصخر، وهامتهم صوب السماء. خطواتهم بطيئة وواثقة، يريدون أن يقضوا بعض الوقت برفقتك كما عودتهم دائما، آذانهم تسترق السمع وأنت تردد: كونوا خداما لهذا الوطن ودافعوا عنه ما استطعتم، وليس هناك ما هو أسمى من أن يموت الشخص مدافعا عن وطنه.

تمرغوا بالتراب وناموا على ناصية الجبل والتحفوا السماء وعانقوا الزمهرير، واشربوا من فوج الحرية مذاقا لا يعرفه إلا من فقد وطنه أو تركه يتسرب من بين أصابعه.

لم أشاهد في عمري شخصا يخطب بالناس في رحيله من على مشارف قبره، من على الأكتاف المترجفة وهي تشعر بالذنب والوقاحة، تتزايد نظرات الجنود والجمع من حولهم، كيف لنا أن نتجرأ ونخطو لندفن جبل تلامس قمته السماء العاشرة. الجبال لا تموت واقفة ولا تدفنها حفنة من التراب.

أصابعك تداعب رؤوسهم، امضوا بخفة يا أبنائي لا تدعوا الناس تتزاحم في الطرقات، هناك شايب تبدو عكازه تعبت من المسير، وراعية على مشارف الوادي سقت قطيعها من الدمع وهي تنحب مصير قد ينتظهرها لغم تزرعه مليشيات الحوثي بعد رحيل حارس السهل والجبل.

لم ينتظر الناس تردف التراب على جسده، نزل إلى قبره كما لو أنه اقتحم مترسا، كما لو أنه تسلل إلى خندق ويسحب التراب بعده ويده تشير إلى جنوده، هيا اذهبوا وأمنوا الوادي لتلك الراعية واحرسوا الأرض وعمروها، وأنت يا زكريا ازرع البن والحب كما علمتك وكنت أفعل.

*من صفحة الكاتب على الفيس بوك