جعفر بن عبيدالله

جعفر بن عبيدالله

قبل أن تبطحنا كورونا

Monday 30 March 2020 الساعة 10:26 am

ما زالت جائحة كورونا تذيق الدول العظمى مرارة الهزيمة و(الانبطاح الحضاري)، حيث أضحت أعداد الحالات المصابة بالمرض تتزايد وفق متتالية هندسية عجز علماء الرياضيات معرفة أسها مثلما عجزت إمبراطوريات المال والقوة والغطرسة عن فك شفرتها وحل أساليب وقفها.

وفي نفس الوقت ما زالت بلادنا محروسة بعناية الله سبحانه وتعالى وليس بحرصنا واتباعنا للارشادات، فمجتمعنا ما زال يجري مهرولاً ناحية (الانبطاح) لكورونا مستهتراً بكل الإجراءات التي تسعى لبقائه صامداً واقفاً.

هذا الوضع السائد حالياً ذكرني بحادثة (انبطاح حقيقية) طريفة حدثت في بداية ثمانينات القرن المنصرم كانت محور حديث مجتمعنا السيئوني حينها مثلما هي جائحة كورونا الآن.
كان هناك صديقان من الطرفاء يمتهنان البيع والشراء بطريقة (المصاقعة) ويمتازان بالذكاء والفطنة ودائماً ما يوقعان زبائنهما في مقالب البعض منها ثقيل جداً (ولكن دون غش).

أحدهما يمتلك سيارة لاندروفر (متهالكة)..فأراد الثاني أن يفوز بالسيارة بثمن بخس وعرض على زميله شراء السيارة ولكن ليس بنقود وإنما بالعجم (نوى التمر).

رفيقه وجدها فرصة سانحة للتخلص من السيارة فوافق على الفور ولكن بشرط بسيط جداً.

(نواة واحدة مردوفة العطاء لفترة شهر) ونال هذا الشرط رضاً تاماً من المشتري.

مردوف العطاء لمدة شهر يعني أنه في اليوم الأول نواة واحدة وفي الثاني 2 يصبح الإجمالي 3، وفي اليوم الثالث يكون 6 فيصبح الإجمالي 9، تتضاعف في اليوم الرابع فتكون 18 وهكذا لمدة شهر كامل.

اجتهد المشتري في الحصول على العجم الذي كان يملك منه أصلاً ما يقارب 20 (كيسا) تملأ مستودعاً لديه، واجتهد كل الناس معه في الحساب بالقلم والورقة مستهترين ساخرين من غباء البائع الذي فرط في سيارة مقابل حفنة من العجم.

في اليوم العشرين وصلت الكمية إلى كيس كامل.
والمفاجأة أن المشتري اكتشف أن عليه في اليوم الخامس والعشرين دفع كامل المستودع، وهذا يعني أنه لن يأتي اليوم الثلاثين إلا ويكون الاستحقاق 24 مستودعا، بالإضافة إلى ما قبلها من مستودعات التي بلغت تراكمياً 48 مستوعا مليئة بأكياس العجم.

هنا أدرك المشتري (ومعه كل المجتمع الذي أصبح لا هم له إلا من أين سيكون مصدر الكميات الهائلة من العجم) أنه وقع في الفخ.
ذهب إلى صديقه يسأله فسخ البيعة، وبشهامة نادرة وافق على الفور شريطة أن ينبطح المشتري في السوق يوم الجمعة و(يتشرقحه) البائع ثلاث مرات بمعنى أن يمر من فوقه ثلاث مرات، وهذا هو الجزاء المتعارف عليه لكل من يتراجع عن بيعة.
وبعد استعطاف ورجاء لم يقبله البائع رضخ المشتري للشرط.
وفي يوم الجمعة حضرا معاً إلى قلب السوق المزدحم بالمتفرجين المتلهفين لرؤية حالة الانبطاح.

وقبل أن ينبطح المشتري ظهرت المروءة والنخوة عند صاحبه وصاح (سامحتك لوجه الله).
والآن كورونا تتزايد حالاتها يومياً بعشرات الآلاف في دول لها صولات وجولات في أذية المستضعفين وبطحهم وتمتلك من القوة والإمكانات ما يفوق خيالنا، ونحن ما زلنا مستهترين غير مبالين، بل مهرولين ناحية ساحة الانبطاح لكورونا وحينها لن نجد من يسامحنا.
ولن يحمينا من الموقف المخزي إلا اتباع إرشادات الوقاية التي هي من السنة والشريعة أصلاً.

اللهم اهدنا والطف بنا واكفنا شر المستهترين وخزي كورونا.
* من صفحة الكاتب على الفيسبوك