سمير الصنعاني
مضمون وثيقة الحوثي باختصار: حزب الله جديد في اليمن
من يطلع على الوثيقة التي أعلنتها المليشيات الحوثية، الذراع الإيرانية في اليمن، والتي قالت إنها وثيقة لإنهاء الحرب على اليمن، وبغض النظر عما احتوته من نصوص قد تكون ملائمة في حال وجود حوار يفضي إلى تحقيق السلام لكن المهم هو قراءة ما بين السطور في هذه الوثيقة.
فالوثيقة تتعامل مع الحرب على أنها بين طرفين الأول هي المليشيات التي تضع نفسها موضع تمثيل للجمهورية اليمنية والثاني هو دول التحالف العربي، وهذا يكشف سعي المليشيات لتجاوز الكثير من حقائق الواقع والمنطق فهي في الاخير ليست سوى مجرد مليشيات وحركة مسلحة، ومهما كانت لها سيطرة ميدانية على جزء من الجغرافيا اليمنية وبغض النظر عن أن تلك السيطرة ليست أكثر من مجرد انقلاب الا ان سعيها لإلغاء الاطراف الاخرى سواء المناهضة أو المؤيدة لها يعكس حقيقة العقلية الاقصائية التي تعيشها هذه المليشيات تجاه الاخر مهما كان هذا الاخر حتى لو كان يعمل أو يتحرك تحت جلبابها.
كما أن مليشيات الحوثي من خلال هذه الوثيقة تؤكد انها تعيش حالة من عدم اليقين أو الاقتناع بإمكانية تعايش الاخرين معها، وتشعر رغم كل شيء ان لا حاضنة شعبية تمتلكها وان أي تسوية سياسية قد تحصل مستقبلا حتى ولو منحتها حق المشاركة مع القوى الاخرى في السلطة والحكم الا انها ستظل تعيش بهاجس عدم الثقة بالآخرين، وعدم القدرة على امتلاك حاضنة شعبية تمنحها ثقلا سياسيا يعطيها القدرة على الديمومة والاستمرار والحياة، ولذلك تسعى المليشيات للحصول على أي اعتراف خارجي بها من خلال وضع نفسها في موضع الند للخارج وخصوصا للتحالف وفرض شروط تمنحها ما لا يمكنها الحصول عليه شعبيا.
ويكاد القارئ للوثيقة يستغرب كيف ان مليشيات الحوثي وبدلا من ان تطرح رؤية حول تشكيل حكومة وحدة تضم جميع الاطراف في حال توقف الحرب وتحيلها إلى حوار بيزنطي فانها تجاهد في الحديث عن تفاصيل كلها تدور حول الثروة والمال من قبيل حديثها عن تسليم المرتبات ودفع مخصصات الضمان الاجتماعي والتعويضات والحديث عن تخصيص عائدات النفط والغاز على الاسر اليمنية المسجلة في مصلحة الاحوال المدنية أي توزيع اموال النفط والغاز وكانها مرتبات ضمان اجتماعي وكل ذلك بعيدا عن أي توصيف يمنح السلطة التي يفترض انها حكومة الوحدة الوطنية الحق في ذلك، وبمعنى اخر فان المليشيات تبحث عن حلول تحصل من خلالها على امتيازات مالية فقط دون تقديم أي تنازلات.
لكن وبعيدا عن كل سلبيات ما تتضمنه الوثيقة الحوثية فان ما يثير الدهشة والاستغراب ان هذه الوثيقة لا تتحدث مطلقا عن اخطر واهم قضية كانت وستظل هي المحك الرئيسي في أي تسوية سياسية وهي سلاح المليشيات وعلى رأسها المليشيات الحوثية، واغفال الوثيقة الحوثية لهذه القضية الاهم والاخطر يؤكد انها حريصة على ان تظل حركة مسلحة كما هو حال حزب الله في لبنان، وبحيث تحصل على ضمانات بمشاركة سياسية في أي سلطة حكم قادمة لكن في الوقت نفسه تحتفظ لنفسها بسلاحها وهو ما يعني تمكينها من رقاب اليمنيين على غرار ما يتمتع به حزب الله في لبنان كمليشيات من وضع خاص حيث يشارك سياسيا في السلطة والانتخابات والعملية السياسية لكنه في الوقت نفسه يحتفظ بسلاحه كمليشيات وهو ما يجعله مهيمنا على الدولة اللبنانية وقرارها السيادي بطريقة أو بأخرى خصوصا من خلال ما يسمى في لبنان بالثلث المعطل، ووثيقة الحوثي للحل ليست سوى دليل جديد يؤكد أن مليشيات الحوثي ترى ان من حقها ان تحصل على وضع مشابه لوضع حزب الله اللبناني في مستقبل الحل في اليمن وهو الامر الذي يجعل من المستحيل القبول به خصوصا وان سلاح المليشيات الحوثية كان ولا يزال وسيظل هو اساس وجوهر المشكلة التي ادت إلى ما وصل اليه اليمن واي تسوية سياسية لا تصادر سلاح الحوثي وبقية المليشيات وتمنح حق امتلاك السلاح للدولة فقط سيكون مصيرها الفشل وستؤدي إلى اندلاع حروب اخرى جديدة، ناهيك عن ان بقاء المليشيات الحوثي بسلاحها امر لا يمكن ان تقبله دول الجوار وعلى رأسها السعودية التي ترى في وجود الحوثي كمليشيات مسلحة شبيها بوجود حزب الله في لبنان وهو ما لا يمكنها القبول به باعتبار ذلك خطرا على امنها القومي.
ومن ناحية اخرى حتى وفي حال قبول السعودية بوجود المليشيات الحوثية بسلاحها فان بقية القوى اليمنية لا يمكنها ان تقبل بذلك لإدراك الجميع ان بقاء الحوثي بسلاحه يعني منحه فرصة ليس للسيطرة والحكم فحسب بل والهيمنة وفرض أيدولوجيته ومصادرة حقوق الاخرين بل وتصفية خصومه بالقتل والاغتيالات.
والخلاصة انه لا يمكن أن يكون ثمة تسوية سياسية دائمة لليمن واليمنيين إلا بنزع سلاح المليشيات وفي المقدمة سلاح مليشيات الحوثي وإلا فإن أي حلول لا تضمن امتلاك الدولة وحدها للسلاح فليست سوى مجرد حلول مؤقتة تهيىء لجولات صراعات وحروب جديدة.