حكيم الجبلي

حكيم الجبلي

مصادر ساهمت في إلهام وإخصاب الحوثيين

Saturday 18 April 2020 الساعة 06:46 pm

من الواضح أن الأحداث استدرجت الحوثيين إلى وضع ليس في مقدورهم التراجع عنه طوعاً. إنه الوضع الذي أصبحوا فيه فجأة أقرب للإمامة الزيدية منهم إلى نموذج حزب الله اللبناني أو نموذج الجمهورية الإسلامية في إيران.

كانت السيطرة على العاصمة صنعاء، في 2014، نقطة مفصلية حاسمة، حيث انتهى مسار طموحهم القديم للتشكّل على صورة حزب الله، وبدأ مسار جديد وخطير للتشكُّل بإيحاء من ثقافة تاريخية تتحكَّم في وعي أبرز المنضوين في صف جماعة الحوثي من جهة، وتتحكَّم في نظرة الآخرين خارج الجماعة إليهم، من جهة أخرى.

الإمامة الزيدية هي الآن واقع حي يعبِّر عن نفسه من خلال التموضع العسكري والسياسي للحوثيين في المركز السيادي للدولة، ثم ممارستهم للاعتقال وملاحقة الخصوم وهدم منازلهم، والدخول في حرب مع الخارج، وكلّ ذلك تمّ باسم قضايا ودعاوى سيادية.

ومهما تعدَّدتْ الأشكال المستعارة من النموذج الجمهوري الإسلامي الإيراني، فإنّ ارتباطهم العميق بعناصر من التراث الإمامي الزيدي يظلّ عنصراً جوهرياً في تكوينهم السياسي وبرنامج عملهم.

بيد أن الحوثيين لا يقولون صراحةً "نحن إمامة". وخصومهم من اليمنيين، في الغالب، لم يشدِّدوا على هذا التعريف، فهم قد استبدلوه بالتعريف المزدوج القابل للفهم في المجال الإقليمي والدولي: الحوثيون "انقلابيون" ضد رئيس معترف به دولياً، والحوثيون "عملاء لإيران". أمّا على المستوى المحلي، فقد استُبدِل بتعريفات تستنهض النزعات المناطقية أو الجهوية أو الطائفية، أو مزيج منها كلها.

لا يحب الحوثيون أن يُنعَتوا بـ"الإماميين" أيضاً، ليس لأن النعت غير مطابق للحال، بل لأن استعمالاته السياسية موجَّهة ضدهم، فهو يحمل الرفض ويحمل الاتهام. في حين أن حاجتهم إلى تدبير سياسي، ظرفي، محسوب، فرضتْ عليهم الابتعاد عن كل ما لحق بكلمة "إمامة" من تشنيع سياسي ووطني على مدى أكثر 55 عاما من تاريخ اليمن الجمهوري.

ما لم ينتبه إليه الحوثيون ولا خصومهم، هو أن لهذا النعت، من الناحية الوطنية، جانبه الجيد: فهو يعيد المشكلة إلى أصلها ومبدأها في قلب التاريخ السياسي اليمني، ويكشف أن الدور الإيراني لا يتجاوز التلقيح الأيديولوجي المتأخر لاستعداد "وراثي" كامن في الجسم الاجتماعي.

الدعم الإيراني للحوثيين حقيقي ولا سبيل إلى إنكاره. وقد تصاعد ارتباطهم العسكري واللوجستي بنظام طهران في السنوات الأخيرة إلى أعلى مستوياته. ما نجادل به هنا هو أن المصير النهائي للحوثيين ليس رهناً بهذا الدعم ولا بانقطاعه، إلّا على نحو جزئي. أصل المعضلة موجود في الداخل.

الأيديولوجية الثورية الإيرانية لم تكن هي الإلهام الوحيد. هناك دلائل على استلهامات متعددة من المجال الحركي الإسلامي المعاصر بشقيه "السني" و"الشيعي"، ومن الخبرة التقليدية للأئمة الزيديين.

وإنه لمن الممكن تفسير النشاط الحوثي، ابتداءً من تمردهم في صعدة، بالعودة إلى تاريخ الأئمة وإلى تعاليم وأفكار المذهب الزيدي نفسه، فهي تشرعن خروج إمام (علوي فاطمي) طامح ضد إمام (علوي فاطمي) قائم، بدعوى تحقيق العدل ورفع الظلم.

أول تمرد مسلح للحوثيين ضد الدولة المركزية، لم يحدث في العام الذي اندلعت فيه الثورة الإسلامية الإيرانية 1979، ولا حتى في الأعوام القليلة التالية، بل كان في العام 2004. وكانت العملية العسكرية الأولى التي نفذتها القوات الحكومية اليمنية لإخماد ذلك التمرد قد انتهت بمقتل حسين الحوثي، المؤسس الفعلي للحركة الحوثية، وهو الشقيق الأكبر للزعيم الحالي للحركة عبدالملك الحوثي.

وعليه، فالتمرد والخروج على السلطة الحاكمة (أي إعلان الثورة بالاستناد إلى خطاب ديني)، لم يكن -بالنسبة للحوثيين- اختراعاً إيرانياً بدأ مع ثورة الخميني.

وإليكم أهم أربعة مصادر ساهمت في إلهام وإخصاب الحوثيين على الصعيد الأيديولوجي والحركي:

1- موروث المذهب الزيدي والتاريخ السياسي للأئمة.

2- ثورة الخميني في إيران، وانعكاساتها في العالم الاسلامي الشيعي، وعلى وجه الخصوص حزب الله اللبناني والمنظمات الأخرى في العراق والبحرين.

3- حركات الإسلام السياسي السني ممثلاً في جماعة الإخوان المسلمين وتنظيم القاعدة.

4- ثورات الربيع العربي عام 2011. قبلها لم يكن الحوثيون قد أطلقوا على تمرداتهم اسم "ثورة". فمن دون المناخ العام الذي توفر في الفترة بين 2011 و2014، ما كان لهم أن يحققوا ما حققوه مهما كانت الإلهامات والمؤثرات.