أيها الجنوبيون..
تصالحوا وتسامحوا واتحدوا فمن يحرضكم على بعضكم لا يمكن أن يكن لكم المحبة!
طوال أكثر من أسبوع أُغرِق الفضاء الإعلامي الرقمي والورقي بمنشورات ومقالات (وأخبار) تبشر بانفجار الموقف في الجنوب وانتشار أنهار الدماء في شوارع وأزقة عدن وأبين، وانتصار (الشرعية) على (الانقلابيين) الجنوبيين، وكل واحدة من هذه المفردات لها عند مروجيها تفسيرها المناقض لما يفهمه أي مبتدئ في اللغة العربية.
ليس هذا موضوعنا هنا لكن ما يستحق التوقف عنده هو المجموعة التالية من المشاهد التي أستطيع القول إنها تمثل رصداً بانوراميا لتلك الضجة الإعلامية، وسأترك أمر تحليلها وسبر أبعادها إلى مرحلة لاحقة:
1. كل المواقع التي تبشر بانفجار الأحداث الدموية في أبين ومن ثم في عدن شمالية، وهنا أربأ بنفسي من القول إن كل الشمال شرٌ فأنا على طول ضد هذا المفهوم وهذه الثقافة لكنني أشير إلى أن هذه المواقع تمولها أطراف حزبية أيديولوجبة شمالية المنشأ والهوية وإن تدثرت بدعاوى الوحدة اليمنية واليمن الاتحادي وغير ذلك، لكنها تعمل تحت قيادة من أفتوا بإباحة دماء وأرواح وأملاك الجنوبيين في إطار قصة المفسدة الكبرى والمفسدة الصغرى، والباقي أنتم تفهمونه.
2. قليل من المواقع الجنوبية التي يستحي أصحابها ممن يمنحهم بعض المكافآت تبشر بتلك الأخبار على استحياء لكنها تستبقي شعرة معاوية في نشر بعض الأخبار والتصريحات عن الطرف الآخر.
3. كل الكُتَّاب الذين يتناولون هذه الأخبار ويعلقون عليها ويشيدون ببعض القادة الجنوبيين المتمترسين في قرن الكلاسي وشقرة ويسمونهم بالرجال الأقوياء (وجميعهم أقوياء فعلاً)، كل هؤلاء الكتاب شماليون.
4. الذين يقودون ويؤَججون ويحرضون على حملة قتل الجنوبيين بالجنوبيين قدموا من خولان ومأرب والجوف بعد أن سلموا للحوثيين مساحات واسعة في محافظاتهم كانت محررة جاءوا ليدقوا إسفين الفتنة بين الجنوبيين.
هذه الملاحظات وملاحظات أخرى تدفعنا إلى التساؤل:
• هل يعتقد الإخوة الجنوبيون المتحمسون للفنتة الجنوبية ـ الجنوبية أن هؤلاء الكتاب والقادة ومصدري الفتاوي بالقتل والإباحة يحبونهم وهم يسوقونهم إلى حرب ضد أهلهم وبني جلدتهم، بينما يستكثرون أن يكرسوا هذا الحماس لتحرير مديرياتهم ومحافظاتهم من أتباع إيران؟
• هؤلاء القادمون من مناطق يحتلها الحوثي وأنصاره قادمون لإعادة احتلال عدن وكل أراضي الجنوب (مهما استعاروا بعض الأسماء الجنوبية رمزياً) فهل ينوي إخوتنا الجنوبيون في الشرعية احتلال صنعاء وبقية أراضي الشمال أو حتى مشاركة أهلها في حكمها؟
• هل يتذكر إخوتنا الجنوبيون قصة الشهداء الــ 111 في مسجد معسكر الاستقبال في مأرب الذين كانوا المصلين الوحيدين فيه، وهل تساءلوا ما اللغز وراء هذه الحادثة التي لم تشهدها أفلام الرعب والأكشن والكوميديا السوداء؟
وقبل أن أختتم هذه التناولة أود التوجه بما يلي:
أ. أتوجه بالتحية الصادقة للإخوة الأعزاء في لجنة التهدئة ومعهم الإخوة في قيادة قوات التحالف العربي لجهودهم المبذولة في سبيل التقريب بين رفاق القضية الواحدة وأبناء الجلدة الواحدة والحرص على تنفيذ اتفاق الرياض الذي يعتبر فشله فشلاً لجميع الأطراف وعلى وجه الخصوص الأشقاء في المملكة.
ب. أحيي الشرفاء الذين يمثلون الجانب الحكومي الشرعي، وأخص الأخوين أبومشعل الكازمي وعبد الله الصبيحي ولا أستثني بقية القادة من زملائهم، وأدعوهم إلى توسيع أفق نظرهم إلى ما بعد عشرات السنين من المسؤولية التاريخية التي ينبغي أو نورثها لأبنائنا وأحفادنا وتذكر الدروس المرة من الماضي القريب والبعيد.
ت. أحيي الفريق الممثل للمجلس الانتقالي الجنوبي بدون استثناء وأدعوهم إلى التحلي بما دعوت إليه الإخوان في الفريق الحكومي من توسيع أفق نظرهم إلى ما بعد عشرات السنين وأذكرهم بأن الجنوب لكل الجنوبيين ولا يمكن أن يحكم بطيف واحد أو جهة واحدة أو حزب واحد أو رؤية واحدة أو منطقة واحدة.
ث. أدعو ممثلي الطرفين (حكومة الرئيس هادي ـ والمجلس الانتقالي الجنوبي) إلى استحضار لحظات المواجهة العصيبة في العام 2015م وكيف انخرط الجميع في مواجهة غير متكافئة مع عدو لا يميز بين محافظة وأخرى ولا بين جناح جنوبي وآخر، والتخلص من ثقافة الثأر ونزعة الانتقام التي لا تولد سوى نسلها من النزعات التي حتى لو استمرت مئات السنين فلن تصنع منتصراً واحداً ولا تنتج إلّا ضغائنَ وأحقاداً نحن أحوج ما نكون لنبذها والتطهر من رجسها المقيت.
ج. اختلافنا حول القضية الجنوبية ومآلاتها ينبغي أن نحترمه كتباين في الرأي لا ينبغي أن تكون البندقية أداة حله بل يجب أن نتركه للجماهير الجنوبية لتقول فيه كلمتها مستقبلا وليس في هذه اللحظة العصيبة.
وأخيرا يجب أن تكون نقطة انطلاق بناء الثقة بين الجنوبيين هي قيم التصالح والتسامح، والإيمان بأن الجنوب لكل أبنائه وبكل أبنائه، فليعد الجميع إلى الجميع، وعلى الجنوبيين القبول ببعضهم لا منتصرين ولا مهزومين، لا قاهرين ولا مقهورين، لا مستعينين بأعداء الجنوب ولا معينين لهم.
التعايش قدرنا والشراكة واجب على الجميع وليست فقط حقاً له وهي بنفس الوقت ضمانة لبناء الغد المأمول... الإملاء مرفوض والاستكبار ممقوت والتهكم واستدعاء الماضي السيء منبوذ، والسماح والعفو المتبادلان سمة الأقوياء والحكماء.
فاتحدوا وتسامحوا فمن يحرضكم على بعضكم لا يمكن أن يكن لكم المحبة.
* من صفحة الكاتب على الفيسبوك