بدر العرابي

بدر العرابي

تابعنى على

التحالف بعد اتفاق الرياض.. مؤشرات الاختراق

Sunday 26 April 2020 الساعة 11:52 pm

إذا ما حاولنا العودة إلى ملابسات التدخل الطارئ للمملكة العربية السعودية، تحت مسمى (التحالف العربي) بعد اجتياح الحوثيين العاصمة صنعاء وسيطرتهم على السلطة، وتمدد تلك السيطرة على معظم جغرافيا المحافظات الشمالية، سنجد أن أول مبرر للتدخل وضعه التحالف، على لسان ولي العهد (محمد بن سلمان) وقد نقلته كافة القنوات الإخبارية _ أول مبرر هو (إن تمادي الحوثيين في تمددهم واتجاههم نحو عدن) هو الذي أثار حفيظة المملكة العربية السعودية، ودفعها للتدخل المفاجئ عن طريق الجو وضرب الأهداف المحددة في صنعاء.

وقد تابعنا حينها جميعاً الحوار الذي أجرته قناة العربية الإخبارية وتم نقله بشكل مباشر من الفضائيات الإخبارية، إذ قالها بوضوح: "إن تدخلنا في اليمن، كان الدافع الرئيس له، هو تجاوز الحوثيين محافظة تعز واتجاههم نحو (عدن) عدن خط أحمر.... إلى آخر الحديث".

مضت الأحداث قدماً، وتم تحرير عدن وغالبية المحافظات الحنوبية، بالشراكة مع المقاومة الجنوبية وأبناء عدن الذين سطروا بطولات وملاحم وتضحيات، لم نعهدها في تاريخ الجنوب، متناسين أي مرجعيات مناطقية حينها.

لا ننسى أيضاً أن هدف تدخل المملكة من خلال التحالف العربي الطارئ، توسع وتحول بشكل مراهن مع هدف الدفاع عن عدن _ إلى مساعدة الشرعية اليمنية لاستعادة سلطتها وإفشال انقلاب الحوثيين، وباستغاثة وطلب من الرئيس اليمني والحكومة اليمنية.

مضت السعودية من خلال التحالف قدماً في حربها مع الحوثي، لاستعادة الشرعية اليمنية، وإفشال الانقلاب، بآلية تحديد الأهداف (المتمثلة بقوة الحوثي العسكرية، يضاف إليها مخازن سلاح الجيش اليمني) مروراً بالأهداف المتحركة على الأرض (المدرعات / العربات / الأطقم العسكرية) مروراً بالأفراد المتحركين على الأرض، بشكل من الدقة، ولعل حادثة اغتيال (صالح الصماد) أنموذجاً للتقنيات القتالية التي اتسم بها التحالف في إصراره على عودة الشرعية اليمنية ودحر الانقلاب الحوثي.. إلا إن كل تلك التقنيات والأهداف الكبرى والمتوسطة والدقيقة، التي حققها سلاح الجو للتحالف، كان ينقصها التغطية العسكرية على الأرض، كعادة الخطط العسكرية، مما أبرز ثغرة تلوح، بشكل مبكر، بفشل حسابات التحالف، بسبب خذلان من تبقى من الجيش اليمني وعدم ترجمة تحقق الأهداف المعدة باتقان، لاستعادة سيطرة الشرعية على الجغرافية التي سيطرت عليها قوات الحوثي، وبسطت نفوذها فيها.

أدركت بعض الدول المشاركة في التحالف العربي، بشكل مبكر، فشلها، ولجأت إلى سحب قواتها بوقت مبكر، من بعض المناطق الشمالية (القوات الإماراتية في مأرب).

الإمارات كحليف استراتيجي للمملكة في التحالف أدركت اللعبة فقامت بسحب قواتها من المناطق الشمالية، لتستقر جنوباً أو لتعود للإمارات، ما جعلها كحليف فاعل يستوجب استمراره في صيغة التحالف تقرر فاعليتها ووجودها، في الجنوب، مع انحسار مهمتها في المواجهة على الأرض، وبقاء شراكتها في أداء تحقيق الأهداف من الجو، مع تيقنها أن ذلك لا يجدي نفعاً ولن يحقق الأهداف المرسومة سابقاً للتحالف.

ليست الإمارات، كعضو فاعل في التحالف، وحدها من أدركت فشل استعادة الشرعية اليمنية وإنهاء الانقلاب، لكن الكثير من الدول العربية، جمدت حضورها وفاعليتها، على الأرض والجو، ووجدت السعودية نفسها أمام خيار الاستمرار، ليس إصراراً على تحقيق النصر على الميدان، بقدر ما هو محاولة في استمرار حضورها، كأداة مساندة للشرعية اليمنية، لاستمرار إحياء واستنهاض قناعات الشرعية بأمل العودة للسلطة بعد دحر الانقلاب، كما أن استمرار السعودية وحدها، إنما يدل على ترحيل ظهور هزيمتها وهروباً من إعلانها، مع محاولتها البحث عن بدائل أخرى، وحجب فشل تلك المحاولات أمام التفلت التدريجي لمصداقية القوة العسكرية التابعة للشرعية، والتي تدين بالولاء للقوى الإسلامية والقبلية والرأسمالية، الشمالية، التي تقلصت وتلاشت أهدافها الوطنية التمويهية، لتغدو القوة العسكرية الحامية لمصالح تلك القوى في الداخل، المتمثلة في (الاستثمارات والشراكات التي عقدتها تلك القوى مع شركات الاستثمار الخارجية في (النفط والثروات والمعادن) كأطراف حكومية وأطراف رأسمالية خاصة، في وقت واحد، ومن ثم وجدت السعودية نفسها وحيدة، من الخارج ومن الداخل، والأخطر أنها وجدت نفسها في مواجهة مع تحالف دولي وإقليمي، إسلامي واستثماري بالوكالة، يمضي بآلية الملاقحة بين السياسي الشرعي الحكومي في الداخل، مع تكتل إقليمي ودولي إسلامي استثماري، تلتقي أهدافه مع أهداف قوى إسلامية، تتعارض مذهبياً مع السعودية (إيران وحلفائها).

إلى جانب كل ذلك، فثمة ضعط دولي أممي، عبر الأمم المتحدة، لإيقاف السعودية حربها مع الحوثي، والبحث عن صيغة أخرى للتسوية، تدير تنفيذها السعودية، وفقاً لرؤيتها التي تضمن بقاء شرعية تدخلها دولياً، دون المساس بها فيما بعد وبسمعتها ومكانتها.

وهكذا تبددت أهداف السعودية، وبدأت تفقد شرعية تدخلها في اليمن، من خلال إيقاف أعضاء التحالف العربي نشاطهم وشراكتهم في التحالف، بشكل غير معلن، ولعل آخرهم الإمارات العربية المتحدة.

تُركت المملكة العربية السعودية، وحيدةً، بعد أن لمس أعضاء التحالف العربي عدم مصداقية الجيش اليمني والمقاومة (في الشمال) في استعادة الشرعية، وتقلص أهداف القوى السياسية والعسكرية، الوطنية، في استعادة الدولة، وانصراف تلك القوى عن مواجهة الانقلابيين، لصالح الدخول في تحالفات إقليمية وإسلامية دولية (تنظيم الإخوان المسلمين، الذي فقد قوته في مصر) ووجد في الجناح العسكري الإسلامي، في الحكومة اليمنية قشةً لإحيائه واستمراره على قيد الحياة، ريثما يعيد أنفاسه.

إن سوء الإدارة للملف السياسي اليمني الذي تتسم به المملكة العربية السعودية، كان السبب الرئيس في انصراف أعضاء التحالف العربي، وتفسخ التحالف العربي، غير المعلن، إذ اكتشف الشركاء، إن بشكل مبكر، أو بشكل بعدي _ أن البقاء في التحالف، مع استمرار الأداء السياسي للمملكة العربية السعودية كما هو، سيؤثر على مكانتهم الدولية من جهة، وسيجعلهم أغبياء، أمام المجتمع الدولي _ الذي بدا له ولأعضاء التحالف العربي المشاركين، مؤخراً، وبما يلوح أن المملكة العربية السعودية، تبطن اتصالا وعلاقة خفية، مع الإخوان المسلمين، ولعل تواطئها مع إخوان اليمن (خاصة القوى المرتبطة بالإرهابيين والقاعدة، التي يستخدمونها منذ زمن لتصفية الخصوم السياسيين) ناتج عن علاقة مرجعية خفية، أو اختراق منظم قوي الاتصال والبنية _ للنظام السعودي، وذلك ما تلوح به راهناً أحداث الضغط على المجلس الانتقالي الجنوبي وعلى الجنوبيين.

وقد وجهت اتهامات للسفير السعودي (محمد آل جابر) بانه يتواطأ مع اختراق الإخوان للنظام السعودي، وبأنه مع قائد القوات العسكرية السعودية المتواجدة على الأرض في عدن، يسهلون للتحالف الإخواني القبلي شمالاً إعاقة تنفيذ اتفاق الرياض في محاولة لإكمال تمكينهم من السيطرة على الجنوب.

فبدلاً من أن تكون الأولوية للسفير وقائد القوات دعم الاتفاق وإصلاح الشرعية وفقا للاتفاق كشف عن رغبة في الاستحواذ والسيطرة على مطار عدن وميناء عدن وبعض المعسكرات التابعة للحزام الأمني؛ مع تزامن إجراءاته تلك، مع تحرك لقوات الإخوان العسكرية، من مأرب، نحو العاصمة عدن؛ في محاولة لإسقاط عدن؛ وشرعنة هذا الإسقاط، من خلال الالتفاف الوقح على اتفاق الرياض.

وخلاصة القول، إن ثمة عبثا وتناقضا وازدواجا في الموقف السعودي والإجراءات السعودية، يبرز في مستويين:

الأول: جدية النظام السعودي (ممثلاً بالملك سلمان وولي عهده) ونجاحهم في صك اتفاق بين الأطراف اليمنية، يمهد للسلام، ويحترم إرادات الأطراف، كلها، بمن فيها المجلس الانتقالي والجنوبيون، وطرف الحكومة، لاستمرار المضي في التسوية وتوحيد الجهود، لاستعادة الدولة، سواءً بالمواجهة مع الانقلابيين، أو بتسوية سلام دائمة، تنهي الحرب، وتحفظ للسعودية ماء الوجه.

والثاني: ذلك التقاطع والتعارض والإبطال، لاتفاق الرياض، المتمثل في إبطال أهداف الملك وولي عهده، التي يتوخى منها (توحيد جهود الأطراف اليمنية، لاستعادة الدولة، كمطلب عاجل وضروري، بموافقة الأطراف جميعها. ويبدو هذا الإبطال في ممارسات الأدوات التنفيذية السفير السعودي وقائد كتيبة المهام المعين، بعد اتفاق الرياض مباشرة، تلك الممارسات التي تدل على التعارض مع بنود الاتفاق، التي تخص تراتبية التنفيذ، إذ يتم انتقاء بنود، بشكل مزاجي لتنفيذها، تصب في صالح طرف واحد، وهو الحكومة، التي يفترض أن تكون قد سقطت شرعية بقائها، لعدم تشكيل حكومة جديدة، في المدة المحددة في الاتفاق، وعوضاً عن ذلك يتم دعوتها، بشكل انفرادي، للعودة لعدن، لتمكينها من عدن، في الوقت الذي يخرج أبناء عدن بمظاهرات تندد وتطالب بطرد بقايا الحكومة، من محافظ وجهات مسئولة أخرى، ولعل ردة فعل الجماهير المنفعلة في عدن، فيما يخص زيارة المحافظ المعين من الحكومة الشرعية (أحمد سالمين)، شاهدة على رفض تواجد الحكومة، وتدخلها بشأن المجتمع، من قبل المجتمع نفسه.

كما أن إبطال الجهود المتجهة نحو مأرب وتحرير المناطق الشمالية، وفقاً لاتفاق الرياض، تتقاطع مع دفع وضغط بما تبقى من قوات الشرعية في مأرب، نحو الجنوب، بما يشير بأن ثمة تضاربا وتناقضا بين قرارات النظام السعودي (ممثلاً بالملك وولي العهد) وقرارات الجهات التنفيذية السعودية، في الميدان (العقيد ماجد العتيبي والسفير آل جابر)، بما يؤكد (من وجهة نظري) وجود اختراق للعائلة الملكية الحاكمة، بدأت مؤشرات ظهوره والإعلان غير المباشر عنه، من داخل اليمن.