الملاحظ أن ياسر العواضي لم يرفع أيّ شعار سياسيّ في مواجهة الحوثيين حتى الآن. هذه النقطة غاية في الأهمية. لقد أبقى قضيَّته محصورة في واقعة اقتحام منزل وقتل امرأة وما تشير إليه هذه الواقعة عن الحد غير المعقول الذي بلغته تجاوزات مشرفي الحوثي في البيضاء، وانفلاتهم من كل حساب. وهو يتصرَّف حتى الآن بصفته شيخا قَبَليا وليس بوصفه قيادياً حزبياً.
بالمفهوم السياسي، القصة، حتى الآن، لا يصح وصفها لا بـ"التمرّد" ولا بـ"الثورة". إنها حركة احتجاج مشروعة، لها مطالب محدَّدة في إطار دولة الوضع القائم في صنعاء. أمّا الموقف السياسي للعواضي في القضايا الوطنية، فالرجل، كما يبدو، لا يزال حتى الآن متقيِّدا بموقف حزبه في صنعاء، حزب المؤتمر برئاسة صادق أمين أبو راس. ولم يصدر عنه موقف سياسي مناقض لهذا الموقف، حتى هذه اللحظة: بخصوص التدخل الخارجي، والشرعية والانقلاب، والحرب والسلم.
بالنسبة لموقفه في قضية الشهيدة جهاد الأصبحي، هو موقف قَبَلي ينطلق من كونه شيخ قبيلة.
لم يعلن العواضي أنه سيقاتل الحوثيين باسم جمهورية ولا باسم شرعية ولا باسم الشعب ولا باسم العروبة ولا باسم السُنَّة ولا باسم الإسلام. ما قاله هو أنه سيقاتل -إذا رفض الحوثيون مطالبه- ضد الظلم والطغيان، ودفاعا عن النفس، في حدود منطقته ومنطقة الأُسرة المظلومة التي التجأت له وطلبت النصرة بداعي القبْيَلة. وقال إنه سيقاتل قتال المضطر بجهود القبائل الذاتية، ومهما تكن نتائج هذا التحرك، فهو يعرف أنه سيواجه قوّة منظمة لديها إمكانات دولة، وبالتالي فقد أعدّ نفسه لكل الاحتمالات بما في ذلك الاستشهاد. وكان واضحاً في هذا الجانب كلّ الوضوح.
الكيفية التي صاغ بها العواضي رسائله حول القضية قطعت الطريق أولا على الحوثيين المتحمسين لوضع كل من يختلف معهم أو يحتج أو يعترض في دائرة الاتهام بالخيانة لصالح "العدوان". وثانيا، قطعت الطريق على الأطراف الأخرى الموالية للتحالف بقيادة السعودية. لقد شدد في تغريداته على الأساس القبلي لتحرّكه.
فالحوثيون باسم ماذا سيهاجمونه؟ ما هو العنوان الذي سيتحركون تحته؟ أخلاقياً، وقانونياً، الأمور ليست في صالحهم. إذا هاجموه، فهجومهم سيبدو عملاً إجرامياً غاشماً وأحمق وبلا أيّ غطاء مقنع، حتى لو كان من السهل حسم الوضع عسكريا.
وخصوم الحوثيين باسم ماذا سيجيِّرون تحرّك العواضي لحسابهم، وهو لم يستنجد بهم، ولم يعلن عن أي شعار من شعاراتهم، ولم يتّخذ من "الشرعية" مرجعية سياسية لتحركه، وهو يعرف أن هذا العنوان رهان خاسر ومجرَّب.
لكن السؤال هو:
هل يمكن بقاء المسألة بعيدة عن التسييس والاستقطاب في حال انتقلت الأمور هناك من التوتر إلى المواجهات المسلحة؟
هذا ما ستخبرنا به الأيام والأسابيع القادمة.