لم يبذل إعلام خاطفي (الشرعية) أي جهد لتبصير الرأي العام اليمني بأسباب وحيثيات وخلفيات سقوط مناطق استراتيجية مثل فرضة نهم وكل المنطقة المحيطة بها وسقوط مدينة الحزم عاصمة محافظة الجوف، التي تمثل حوالي خُمْس مساحة شمال اليمن، وقبلها سقوط صرواح مرتين وميدي ثلاث مرات بأيدي الحوثيين.
كل الجيش الإعلامي لخاطفي (الشرعية) المكون من عديد المحطات الإذاعية والقنوات الفضائية ومئات الصحف والمواقع الإلكترونية وآلاف العاملين فيها تعاملوا مع تلك الانهيارات العسكرية لجبهة (الشرعية) وكأنها حادث مروري، جرى وانقضت أهميته، "وكل واحد يصلح سيارته" كما يقول اهلنا في بعض مناطق الشمال.
لكن حينما أبدى المواطنون ومعهم بعض العسكريين من أبناء محافظة سقطرة الجنوبية تذمرهم من ممارسات السلطة المحلية في سقطرة ومحافظها والنافذين فيها الذين عاثوا في الأرض السقطرية فساداً منذ عام 1994م ثم بعد العام 2015م، عندئذٍ هاج الإعلام (الشرعي) وماج وتحولت سقطرة والسقطريين إلى جبهة معادية أكثر أهمية من فرضة نهم وصرواح والحزم وبرط العنان وخب والشعف، وكأن السقطريين هم من أسقط صنعاء وحاصر رئيس الجمهورية وخطف الدولة ونهب الأسلحة والصواريخ والطائرات وراح يقصف بها المدن والقرى اليمنية ومدن ومنشآت الأشقاء.
منذ العام 1994م ونحن نقول أن صراع الشعب الجنوبي هو مع مغتصبي أرضه ومنتهكي حقوقه وناهبي ثرواته وممارسي التمييز ضد أبنائه ومن دمر دولتهم وزور تاريخهم وعبث بمقدراتهم وحولهم إلى مجرد أرقام للتسول بها عند المانحين، وحول كل شيء في الجنوب إلى غنيمة حرب، وحرصنا وما نزال على تبرئة المواطنين الشماليين الذين لا ناقة لهم ولا جمل بكل ما تعرض له الجنوب والجنوبيين من أذىً وشررور على أيدي مشائخ الغزو وجنرالات السطو والفيد وفقهاء الإباحة، لكن المرء يشعر بأن الانحطاط قد بلغ مدىً لا يمكن أن يخطر على بال أصحاب أقوى القدرات التخيلية من روائيي أفلام البذاءة والإثارة، عندما يقرأ على صدر صحيفة (شرعية) أو موقع إلكتروني (شرعي) أن واحداً أو إثنين ممن كانوا في المسيرة التي شهدتها مدينة حديبو للاعتراض على تصرفات السلطة المحلية في سقطرة، كان من أبناء المحافظة الفلانية (ويشيرون إلى محافظتين أو ثلاث من محافظات الجنوب المغضوب على أهله عند هؤلاء) لكنهم جميعاً يتجنبون الإشارة إلى أن من يوجه الأسلحة إلى صدور المواطنين السقطريين وقبلهم أبناء ردفان والضالع وحضرموت وشبوة وأبين ولحج والمهرة ليس من سقطرة ولا من الضالع ولا من لحج ولا من أبين، وليس من الجنوب كليةً، بل هو من الوافدين على دبابات الغزو والاجتياح في العام 1994م، حتى وإن جاء بورقة تعيين بعد ذلك التاريخ الأغبر.
الصراع في سقطرة ليس معزولاً عن الصراع الذي يكرسه النافذون الغزاة الذين يتسترون على كل ما نهبوه من ثروات وأراضي وأملاك أبناء سقطرة مثل كل مناطق الجنوب بستار "الوحدة" و"الشرعية"، وعند ما تعييهم الحيلة ويفتقدون ورقة توتٍ التي ظلوا يغطون بها كل هذا يلجأون إلى إخافة الناس بالاحتلال الإماراتي، مثلما روجوا لسخافة نهب شجرة دم الأخوين والاستيلاء على الصمغ السقطري، من قبل الإماراتيين وكأنهم عندما قدموا في العام 1994م إنما جاؤو حاملين معهم خطة مارشال لسقطرة والجنوب، وليس مشروع "علي بابا وأصحابه الأربعين".
لا يغضبني انخداع بعض السقطريين ومعهم بعض الجنوبيين وتصديقهم أن اللصوص والغزاة يمكن أن يحافظوا على "الشرعية"، وأن الجنوبيين هم ضد هذه "الشرعية"، لأن هؤلاء (المنخذعين) سيكتشفون ولو بعد حين أن اللصوص والغزاة لا تهمهم لا شرعية ولا دستور ولا وحدة ولا اتحاد وإن كل ما يهمهم هو "الزلط" ولا شيء غير "الزلط وموارد الزلط"، وفي هذا الإطار تأتي أزمة سقطرة المفتعلة.
* من صفحة الكاتب على الفيسبوك