حكيم الجبلي

حكيم الجبلي

عن مزاعم "استقلال" اليمن على يد الهادي الرسِّي

Wednesday 17 June 2020 الساعة 04:57 pm

▪ما أسوأ الذهان الذي يقع فيه صنف رديء من المؤرخين، وما أفظع ثرثراتهم الفارغة!

مثلاً، يزعم الباحث عبدالعزيز المسعودي -وأمثاله من الدارسين المتخصصين في تاريخ اليمن- أن اليمن كان أول إقليم حصل على استقلاله عن الدولة العباسية في بغداد لصالح المعارضة العلوية في صعدة بزعامة الهادي وبفضلها.

نحن لا ندرى مدى الدقة في الادعاء بأن اليمن كان أول إقليم خرج عن سلطة بني العباس، ما يهمنا هو أن المسعودي، وبعض الباحثين، لا يقولون -مثلاً- إن الهادي يحيى بن الحسين لم يكن المعارض الوحيد للعباسيين في اليمن، ففي نفس الفترة كان علي بن الفضل في جنوب اليمن وابن حوشب في مسور حجة و"عدن لاعة"، وكلاهما اسماعيليان كانا يمثلان الدعوة الفاطمية المنشقة عن الدولة العباسية.

ولا يقولون، أيضاً، إن دولة اليعفريين في صنعاء وشبام لم تختفِ بقيام دولة الهادي.. بطريقة ما غامضة سنعرف أن اليعفريين استمروا بالتزامن مع كل من دعوة الهادي الزيدية ودعوة ابن الفضل وابن حوشب الاسماعيلية، بل وبالتزامن مع دولة الزياديين في زبيد.

فما هو هذا "الاستقلال" الذي تحقَّق لليمن على يد الهادي؟ وبأيّ معنى نستخدم هذه الكلمة أصلاً؟ معظم المصادر تفيد بأنه كان للهادي قطعته من اليمن، كما كان للآخرين نصيبهم منها. وكذلك كان الحال مع أولاده من بعده.

▪من دواعي الأسف أن الحسّ النقدي لدى عبدالعزيز المسعودي لم ينشط بشراسة إلّا في مواجهة دراسة الدكتور عبدالعزيز المقالح "قراءة في فكر الزيدية والمعتزلة في اليمن". مع إن من الممكن إداراك أن المقالح قد كتب تلك الدراسة في سياق وطني نضالي ضد نظام الإمامة الزيدية، وبالتالي فالرجل، كما يبدو، كان يتحرَّى من خلالها تحقيق نوع من التثقيف السياسي والتاريخي لأغراض وطنية تقتضيها الظروف بعد ثورة 26 سبتمبر 1962.

أحياناً لا يعرف المسعودي ما الذي يريد قوله، وإذا عرف فهو لا يستطيع قوله بإيجاز ووضوح.

يحشد أسماء المصادر بسخاء، ويدمج الاقتباسات بعضها في بعض، لكنه لا يحسن الاستشهاد بالشكل المناسب في الموقع المناسب. كما إن حساسيته ضعيفة تجاه الكلمات.

المسعودي كثير الإسهاب، مشتَّت الذهن، يلقي بالكلام على عواهنه، يردد مقولات ومصطلحات التراث دون نقد ولا تحفظ.

على سبيل المثال، يقول المسعودي في كتابه "إشكالية الفكر الزيدي المعاصر" صفحة 230: "وقُدِّر للدولة الزيدية الثانية أن تحكم اليمن زهاء أربعة قرون ونيف"، يتبادر إلى الذهن، عند قراءة هذه العبارة، أن هذه الدولة قد حكمت اليمن، كما نعرفه اليوم، كاملاً بانتظام على مدى أكثر من أربعة قرون.
فهل هذا صحيح؟

ليس صحيحاً البتّة. الصحيح أنها حكمت جزءاً من اليمن، وهذا الجزء كان يزيد حيناً وينقص حيناً آخر. وقد تزامن في اليمن مع الدولة الإمامية الزيدية، المقصودة في كلام المسعودي، دولة الأيوبيين ثم الرسوليين، وقبل ذلك دولة بني حاتم في صنعاء وبقايا الدولة الصليحية الإسماعيلية، وكان الصراع بين الأئمة وهذه الدول على أشدَّه طوال الوقت.