عبدالفتاح الصناعي

عبدالفتاح الصناعي

تابعنى على

من "ذودان" حكاية حضارة.. وشاعر وإنسان

Sunday 21 June 2020 الساعة 09:50 am

الأديب والشاعر الشاب المتألق أحمد بن أحمد فاضل، يرفد الساحة الوطنية اليوم بعمل إبداعي أدبي وفني يعكس دور المبدع والأديب في التعبير عن الألم الإنساني خصوصا في مرحلة صعبة من معاناة المواطن اليمني والعربي بشكل عام بما يعايشه في أيام الحروب والنزاعات من ويلات وعذابات التشرد والنزوح. 

الشاعر القادم من قرية "ذودان" وهي قرية حميرية لها تاريخ حضاري غابر ما زال مطمورا في قلب الغيب وصفحات الكتب التاريخية والمنسية وغير المعروفة وأبحاث جديدة نادرة لم تظهر ولم تكتب بعد إلا بالشيء اليسير، فلم يزل العتمة على هذا التاريخ سوى إحساس يقيني تثبته الشواهد الأثرية التي استخرجت من "جبل العود" القلعة الحضارية العظيمة.. هذا الجبل الذي كان يمثل المركز السياسي والحضاري لحضارة أول ما وجدت قبل الميلاد بآلاف السنين، وقد تركت من الشواهد الإعجازية التي سجلت تاريخ هذه الحضارة لكنها ظلت مطمورة تحت الأرض ووحدها الأساطير كانت تحرس هذا المجد الحضاري العظيم

حتى جاء الوقت الذي فرض التنقيب والبحث وهنا تم اكتشاف حضارة ما زالت تحمل كثيرا من الألغاز والأسرار والدهشة.. بما ظهر من بناء وتماثيل ومسارح فقد كان الجبل ومعه القرى المجاورة مركزا لمؤسسات الحكم والفنون والمعابد..

وليس الآثار واللقى وحدها آثارا وكنوزا لأنها تحكي عن الماضي وحسب، فآثار الروح الحضارية التي تظهر أهم لأن الروح حلقة وصل بين عظمة التاريخ وامجاد اليوم، ولذا فهي أعظم الكنوز واصدق آثار وشواهد التاريخ فكل الشواهد المادية أيضا لم تعبر إلا عن روح الإنسان الذي سكن المنطقة وبنى هذه الحضارة العتيقة الخالدة..

وما للمنطقة من إرث حضاري تاريخي من نبل ملوك عظام وإبداع رجال فنونها ومعابدها الذين امتزجت أرواحهم بحب شعابها وجبالها وأورثت هذه المعاني التي تحللت وتخمرت حتى أشرقت مرة أخرى وتجلت من جديد بروح شاعر وانسان يفوح من روحه مسك الحضارة الغابرة وآلآف من السنوات الضوئية الثقافية بل وينبض قلبه باحساس إنساني فريد، وإبداع شاعر جعل من الحياة اليومية قصيدة خالدة باذخة الجمال وغزيرة وكثيرة المعنى رغم بساطة المعنى وحضور السهل الممتنع..

الشاعر "أحمد فاضل" قبل أن يكون شاعراً رائعاً، فهو إنسان رائع كذلك بكل ما للكلمة من معنى؛ لم يكن الشعر بالنسبة له بحد ذاته مجرد شعر بل كان فكرة وقضية فمثل مدرسة للإبداع والأخلاق والتميز كون كتاباته ونتاجه الأدبي لم يكن إلا من ذات البيئة التي تتميز بالبساطة والتلقائية التي لا يجد القارئ أو المستمع أي صعوبة في فهم المعنى وتجلي ووضوح الصورة الشعرية ببساطة وتلقائية..

بقصائده الملحنة أو المغناة تغنى بجمال القرية ومعالمها وأبرز ملامحها ليشعرك بإرهاف شاعر قروي أصيل تفجرت روحه من عمق تاريخ المنطقة ليسمو في أعلى مرتفعات جبالها الشاهقة السامقة التي أصلها ثابت بالأرض وقممها تناطح السحاب كبرباء وسموا وأنفة لا مثيل لها..

فها هو شاعرنا الإنسان الذي لم يمنح قريته ومجتمعه شاعريته وحبه وتفاخره واحساسه وحسب بل منحها مواقف إنسانية عملية عظيمة لن نقول عجز الكثير عنها لكن نستطيع القول توقف أمامها الكثير دونما حراك فعال، ببساطة لأنه يجعل أي قضية سواء كانت تخص القرية بشكل عام أو شخصا محددا فيها هي قضيته الشخصية والأكثر إحساسا بها والأصدق والأكرم بمبادراته وعطائه على المستوى المادي والمعنوي واحساسه الإنساني الصادق..

التقينا في المرحلة الصعبة الماضية التي مرت بها المنطقة بشكل عام وقريتنا بشكل خاص، وكان أن رأيته مضطربا حزيناً تائهاً منكسراً وهو يحدثني عن موجة أو كارثة النزوح التي شاهدتها وعاش مأساة حلقاتها الأولى ومئات الأُسر تجر خلفها أوجاعا وآهات وتشق بدموعها ولعناتها الدروب والفجاج للوصول إلى ملاذ آمن وبيوت ولو مهجورة للمبيت فيها.

بالفعل وجدته يعيش بضميره الإنساني وإحساسه الموجوع وباله المنكسر وخياله الحزين قصة وحياة كل مشرد ونازح ليس على مستوى القرية والمنطقة وحسب بل وعلى مستوى اليمن وعلى المستوى العربي أيضاً..

وبما أنه كان يعيش الألم بكل تفاصيله ومآسيه أنا على يقين تام بأن هذا الشعور تمخض إلى هذا العمل الإنساني الأدبي والفني الإبداعي "نازح" الذي لاقى إشادة ومشاركة وتفاعلا وزخما كبيرا لم نشهده في عمل إنساني وفني آخر منذ سنوات طويلة خلت..

"نازح" عمل فني إنساني بحت يعتبر بمثابة عمل عربي مشتركة كونه جمع بين الكلمة والصوت اليمني، والاحساس واللحن المغربي، والموسيقى والتقاسيم المصرية ليرسم بهذه التشكيلة الإبداعية الفنية لوحة إنسانية عربية مؤثرة ورائعة في الوقت نفسه، ورغم ما فيه من وجع وحزن وأسى واقعي إلا أنه أصبح مادة وعملا فنيا يستوقف الكثير لما يحتويه أو يختزله من إنسانية وواقعية لمشهد يمني وعربي يعيش نفس الدور والمأساة..

أهنئك يا صديقي على هذا الإنجاز، ولا شك بأنك تتمخض العديد من الأعمال الإبداعية، كما أهنئك على روحك الرائعة.. وأصارحك بأني كتبت هذا باحساس أنه أقل من شكر وامتنان وانصاف. فهو أقرب إلى اعتذار خجول أمام قامة شعرية إنسانية وإبداعية واخلاقية طالما ألهمتني، وأشعرتني بالفخر والزهو.

منذ أن عرفتك وانا صغير، وروحك تشرق صباحا يتساوى جمالها مع جمال أشعة الشمس الذهببية، من خلال الإذاعة المدرسية، التي كنت نجمها المبدع، فتعلمت منك الكثير واشتركت معك في مسرحيات، وكنت -وما زلت- أرى فيك الأنموذج، وفي المدرسة أصبحت كما أنت ألقي كلمة الصباح، وفي الفترة التي انقطعت تماما عن القرية بقيت على خيط منقطع من التواصل معك..

وإسهاما وواجبا مني شخصيا، ومن أستاذنا القدير، نبيل الصوفي، بالتعريف بعملكم الإبداعي أنت وفريق عمل "نازح"، لا سيما وأن الأستاذ جعل من نيوزيمن، أشبه بالمنصة الأولى والأرشيف والمرجع للأحداث والقضايا الثقافية والإنسانية، بذائقته ومهنيته العالية. وبما يمثل الأستاذ القدير، أمين الوائلي، من موهبة أدبية كبيرة، واهتمام بالأدب والأدباء.

وبالتالي عبر نيوزيمن عن احترافية صحفية متميزة، وتنمية وثراء أدبي وثقافي، وصوت اجتماعي، في مرحلة معقدة وشائكة سقطت فيها كل المواقع ووسائل الإعلام بتوظيف كل شيء بالصراع السياسي وحسب. 

تبقى أن أقول إن شاعرنا تشرق روحه من قريته، وأمجاد التاريخ الحضاري؛ لتعم آفاق الأرض وتعبر القارات، وليس محصورا في محطيه الأول، فهو شخصية لها صولات وجولات على مستوى الوطن والأمة، والهموم الإنسانية العامة، التي لا تحدها أي حدود. كما يبرهن على ذلك هذا العمل الفني والأدبي "نازح" وسيكون لنا معه حوار خاص عن هذا العمل..