منير اليمني

منير اليمني

ما الذي يخيف توكل في اسطنبول من تلميع "حكم صالح"؟

Wednesday 22 July 2020 الساعة 09:49 am

الاستياء العصابي لبعض ثوريي 2011، مما يسمونه "تبييض" نظام صالح، لا يمكن تفهمه إلا لو كانت "الثورة" التي أسقطت النظام في 2011، هي التي تحكم اليوم في صنعاء، على افتراض أن كل ثورة يجب أن تنظر إلى كل ما كان قبلها بوصفه إما عدواً أو تهديداً محتملاً، وعلى افتراض أن هناك "تبييضاً" وتلميعاً بالفعل وليس خيالات "كرمانية" مريضة.

أما شخص يقول إنه "ثوري فبرايري"، وهو يعرف المصير الذي آلت إليه الأمور، بما في ذلك مصيره الشخصي، فما الذي يغضبه أو يخيفه من رأي إيجابي حول فترة حكم صالح عند قياس تلك الفترة بالأحوال التي تعيشها اليمن اليوم؟ 

بحق الشيطان، ما الذي يخشاه شخص كهذا من القول إنه كانت لنا دولة ضاعت؟ هل هو خائف على نظام ثورته لا يهتز؟ أم يخشى التشويش والبلبلة وإقلاق السكينة في دولته التي تنعم بالاستقرار؟ إلا إذا كان هذا الشخص موافقاً على أن سلطة الحوثي في صنعاء هي ثمرة لثورة فبراير 2011، وممثِّلة لروحها، بحكم مشاركة الحوثيين فيها! في هذه الحالة فقط، يمكن فهم -وليس تبرير- انزعاجه من كل "تبييض" لنظام صالح!

فمن يَحكمون اليوم على الأرض، هم فقط من قد يكون لهم مصلحة في إظهار نموذجهم في صورة أفضل من نموذج حكم صالح، من منطلق أن إظهار فترة حكم صالح في مظهر قبيح هو أحد أدوات شرعنة الوضع القائم. 

وفي اليمن هذه الأيام، كما نعرف، لا يوجد وضع قائم بل أوضاع قائمة متنوعة منفصلة عن بعضها. لكن عملية شرعنة الوضع القائم في مأرب أو الجنوب لم تعد تتطلب إلّا بصورة ثانوية شيطنة فترة حكم صالح، فالشرعنة في مأرب قائمة بشكل أساسي على شيطنة حكم الحوثي، وفي الجنوب الخاضع لسلطة الانتقالي تتم الشرعنة بشيطنة الشمال كاملاً أو حزب الإصلاح أو شيطنة صالح بوصفه حاكماً شمالياً "احتل الجنوب".

لعل المستفيد الوحيد عملياً من شيطنة فترة حكم صالح كأداة لشرعنة سلطته، هو الحوثي في صنعاء. أو بالأصح، يعتقد الحوثيون أن هناك فائدة تعود عليهم من شيطنة وتقبيح فترة حكم صالح. رغم أن معاينة الأمور من زاوية أخرى، ستبين لهم أن في تساميهم ونأيهم عن الخوض في كل ما يضعهم موضع المقارنة مع نظام صالح، تكمن فائدة قد تكون أكبر من الفائدة التي يظنون أنها تأتيهم من شيطنة فترة حكم صالح. إذ سيظل تقييم الناس العاديين لفترة حكم صالح إيجابياً، على المستوى الفردي، طالما لم يشهد اليمن حتى الآن تجربة أفضل منها أو مثلها أو حتى أسوأ منها بقليل. الرأي الإيجابي حول فترة حكم صالح ليس عملاً منظماً ولا ممنهجاً بل لم يعد حتى مسموحاً به على مستوى اليمن ما عدا رقعة صغيرة أو رقعتين. فكل رأي إيجابي بشأن تلك الفترة قد يُعرِّض صاحبه للخطر. 

أما الرأي السلبي حول فترة حكم صالح، سواءً بمنطق ثوري أو أي منطق آخر، فهو الذي يمكن القول إنه منظَّم في شبكات وكيانات شبه دولتية ومحاور داخلية وخارجية، وهو محل تكريم ومباركة سياسية وأمنية في عدن أو في صنعاء أو في مأرب أو في تعز. 

والحقيقة أن أصحاب الرأي السلبي حول فترة حكم صالح هم من استدعى في البداية التدخل الخارجي التخريبي، حيث كان صالح والموالون له هدفاً للطيران السعودي إلى أن لقي مصرعه على يد حلفائه الحوثيين نهاية 2017. 

ولا يوجد ما يدل، حتى الآن، على أن السعودية نادمة أو متحسِّرة على حكم صالح، أو أنها تعمل على إعادته كمنظومة، كما يقال، وهي لم تحرك طيرانها في 2011 لإنقاذه من السقوط أو لإعادته، كما فعلتْ في 2015 مع حكم الرئيس هادي وحلفائه المشاركين في الثورة ضد نظام صالح الذين ذهبوا طوابير إلى الرياض ومنهم حميد الأحمر وتوكل كرمان. 

والمؤتمريون الذين يعملون في دولة هادي، لا يفعلون ذلك إلا بموجب الولاء لهادي وللسعودية. ولو كان مشروع السعودية والإمارات بالفعل هو "تبييض" وإعادة نظام صالح، فلماذا سلكوا الطريق الخطأ؟ فلن يعاد نظام صالح عن طريق تقسيم وتفتيت اليمن، بل عن طريق الإبقاء على اليمن موحَّداً، فنظام صالح يعني يمناً موحَّداً.

ولا ينبغي على من يشيطن ويُقبِّح فترة حكم صالح، من صنعاء أو من اسطنبول، أن يشعر بركوب الخطر، بل وهكذا كان الحال حتى عندما كان صالح لا يزال في السلطة، فكيف وهو اليوم في عداد الموتى!

لو أن كل ما يحدث حالياً في عموم اليمن مجرد "تبييض" مُسيطَر عليه لنظام صالح تمهيداً لإعادته لحكم اليمن، رغم أن هذا الكلام محض تهريج رخيص ولَّى زمنه، فهذا ليس أخطر ما يمكن أن يقع للبلاد فوق كل ما وقع لها إلى الآن وما سوف يقع في المستقبل.

الحجة القوية الساحقة، بالنسبة لمن ينظرون بإيجابية إلى فترة حكم صالح، هي الأوضاع الراهنة الكئيبة للبلاد. 

يا سادة، حتى توكل كرمان لا تزال تجد لنفسها حيثيات، ولو شخصية، كي تنظر بعين الرضا إلى مسيرتها "الثورية"، ولم يخالجها قط أي شعور بالعار من النتائج المدمرة الواضحة للعيان لثورة 2011. ومن موقعها الثوري الهذياني، لا تزال توكل تنكر كل ما حققه نظام صالح، بل وتنسب إليه كل الشرور، رغم أن المرء يستطيع أن يجد من الحيثيات الوطنية للرضا عن مسيرة حكم صالح أعظم وأوضح من حيثيات توكل كرمان في رضاها العجيب عن مسيرتها الثورية!

فلتبدأ توكل وأمثالها الخجل مما انتهى إليه مسعاهم، لكي يجد الآخرون ما يخجلون منه في فترة حكم صالح. فبأي معيار وطني استطعتم الرضا عن نتائج أفعالكم الثورية؟ وبأي معيار وطني تحكمون على وضع اليمن قبل 2011؟

بالنسبة لنظام صالح، كان هناك الكثير مما يمكن التباهي به من الناحية الوطنية.. فما الذي تستطيع أن تتباهى به توكل كرمان من المنافع التي عادت على البلاد من الثورة؟ أما جائزة نوبل للسلام فهي مكسب شخصي لم ينعكس سوى على توكل وحدها وعدد من المقربين منها.

في الأخير، إذا لم تكن الأعوام الثلاثة وثلاثون التي حكم فيها صالح، هي المدة التي اكتملت فيها الجمهورية، وأفصحت عن أفضل إمكانياتها، فما هي الجمهورية التي نبكي عليها؟

علينا أن نعرف أن حكم الرئيس صالح يمتد على ثلثي الزمن الجمهوري، وإذا لم تكن هذه المدة جزءاً محورياً من عصرنا الجمهوري الجميل، فما الذي بقي لنتحسر عليه؟