تهامة تئن وحيدة كعادتها منذ الخليقة، تواجه الموت جوعاً وهي أرض الخير المنهوب، وتصارع لأجل البقاء رغم الإهمال والكوارث والالغام المزروعة فيها حقداً وإجراماً.
تعاني تهامة وساكنيها تمييزاً لا نظير له، وإهمالاً لا حد له، الحاكمون من الجبال لا يهتمون بهذا السهل الممتلئ خيراً وكرماً وبساطة وعفوية.. لم يهتم الحاكمون بتهامة التي اكتفى أهلها بكوخ من قش (عشة) إليه يعودون بعد كد طيلة النهار، قناعة التهامي أورثته الإهمال المتعمد من سلطات الحكم المتعاقبة التي لا ترى فيه أكثر من فلاح خلق كي يزرع صنوف الفاكهة والخضروات ومربٍ للماشية التي تصل لأسواق المدن الحضرية - إن جاز القول بان لدينا مدناً حضرية.
منذ قرابة شهر والسيول تجرف تهامة وتتلف محاصيل البسطاء ومزارعهم، وتأخذ مواشيهم وبيوتهم في لمح البصر، بعد أن خطف السيل ارواح الكثيرين، وكأن القدر يصر بأن يكون الجبل جالباً لمأساة تهامة إما بحاكمين متنفذين، وظلمة ناهبين، أو سيول قادمة من تلك القمم العالية.. ولأنها تهامة لم نجد ذاك التضامن وتلك المناشدات لإنقاذ أهلها، لم تعج مواقع التواصل بكتابات أو صور تحكي للمجتمع وللعالم أجمع ما تتعرض له تهامة، بفعل كوارث الطبيعة وألغام الشر الحوثي.
يمارس الجميع عنصرية مقيتة تجاه هذه المنطقة حتى في كوارثها، ويبتلع الناشطون ألسنتهم أمام ما يجري هناك، فلا الالغام والعبوات الناسفة التي زرعها الحوثيون وقتلت ومزقت أجساد الكبار والصغار، وبترت الأطراف شفعت لأبناء تهامة كي يلتفت لمأساتهم الساسة والمنظمات الحقوقية الوطنية والدولية، ولم تشفع تلك المنازل المهدمة بفعل الهاونات العبثية التي تطلقها مليشيات الشر الحوثي وحولت الكثيرين بدون مأوى، لم تشفع لأبناء تهامة لدى (الشرعية) كي يتم استكمال تحرير الحديدة وتهامة عموماً حتى ينعم أهلها على الأقل بطرقات آمنة ويعودوا لمزارعهم يكدون فيه وينجون من الجوع المتربص بهم وصغارهم.
من أهمل تهامة وينظر إليها بدونية، لن تحركه مشاهد السيول المدمرة ومئات الأسر بلا مأوى، فلك الله يا تهامة الخير، وليسامحنا الله جراء تخاذلنا تجاهكم يا أحفاد أبي موسى الأشعري، فأغلب ناشطي وكتاب ومثقفي اليمن لا يروق لهم الكتابة عنكم، فأنتم لا تملكون مالاً تمولونهم، فهم معتادون للكتابة المدفوع ثمنها، ومستعدون لإشعال ألف معركة إعلامية حول قضايا واهية وأباطيل وافتراءات، شأنهم شأن الساسة الحاكمين والناهبين والطامعين والنافذين الذين لا يرون في تهامة سوى (معادات) أرض، ومزارع مثمرة، وما عدا ذلك فهو منسي لا اهتمام ولا التفات.