حكيم الجبلي

حكيم الجبلي

يقول الحوثيون إنهم جمهوريون!

Wednesday 12 August 2020 الساعة 07:33 pm

يقول الحوثيون إنهم جمهوريون، أما النبض والحماس فلا يتجليان لديهم بقوة فائضة إلا في احتفالاتهم بالمناسبات والرموز التي تربطهم بتاريخ الإمامة الزيدية وتقاليد التشيع ومظاهره المعروفة: الغدير، عاشوراء، ذكرى المولد النبوي (بعد صبغها بصبغة سياسية)، ذكرى "استشهاد الإمام زيد"، مولد فاطمة بنت النبي، استشهاد علي بن أبي طالب.

والشعار الذي يرفعونه بحمية دينية رهيبة، كشيء خاص نابع من صميم وجودهم، هو الشعار الذي صدرته الثورة الإسلامية الإيرانية، وليس أعلام وشعارات الجمهورية اليمنية.

والدفق العاطفي الذي يصدر عنهم في ملصقاتهم ومقالاتهم وأهازيجهم الحربية، ليس دفق العاطفة الوطنية اليمنية، بل هو دفق العاطفة الدينية "الشيعية" التي تسيل من نبع تاريخي إسلامي موغل في القدم لحوادث ورجال ومصائر لا تنتمي بأي حال إلى مجرى التاريخ الوطني اليمني.

فبأي معنى هم جمهوريون؟

إنهم حالة مضاعفة وكريهة من كل "الإمامات" التي عرفها اليمن في ماضيه.

الزيدية التقليدية تنطوي، من الناحية السياسية النظرية، على مبدأين متناقضين، فهي توفر مبدأ للسلطة هو "الإمامة"، وفي نفس الوقت توفر مبدأً للخروج على السلطة ذاتها عبر تنصيب إمام يتحرك ضد الإمام القائم باسم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

لكن هذه النظرية تحصر الحق في استعمال المبدأين في دائرة المنتسبين إلى علي بن أبي طالب من فرعي الحسن والحسين. فطلب السلطة، من وجهة نظر التراث الزيدي، مشروط بالنسب إلى "البطنين"، علي بن أبي طالب وزوجته فاطمة بنت النبي محمد، بالإضافة طبعاً إلى بقية الشروط الأربعة عشرة المعروفة التي وضعها الهادي يحيى بن الحسين عند تأسيسه أول دولة زيدية في شمال اليمن أواخر القرن التاسع الميلادي وبداية القرن العاشر.

أي أن الزيدية الأصلية توفر إطاراً تأسيساً نظرياً لشرعنة السلطة، لكنها توفر في المقابل إطاراً نظرياً آخرَ لشرعنة سلطة مضادة للسلطة القائمة. وهذه الخاصية هي التي أفرزت في تاريخ الزيدية اليمنية ما يعرف بظاهرة تعدد الأئمة وخروج بعضهم ضد بعض.

وإذا كان لهذا أن يعني شيئاً، فهو أن النظرية السياسية للزيدية التقليدية فيها من صفات الجمهورية أكثر مما في جمهورية الخميني الإسلامية في إيران التي يحاول الحوثيون محاكاتها.

أتحدث عن النظرية فقط، وبالتحديد الشق الذي يجيز لأفراد من الطبقة العلوية الخروج على بعضهم البعض لتنازع السلطة. أما "الإمامة" بمجملها فهي لا يمكن أن تحتوي على أي سمة من سمات النظام الجمهوري على الإطلاق، لا كنظرية ولا كممارسة، بل هي على النقيض من كل ما هو جمهوري، وحتى الأنظمة الملكية يمكن تهجينها وتطعيمها بعناصر وأشكال سياسية جمهورية، لكن يستحيل هذا التهجين مع نظام الإمامة، وكل سلطة تقوم على الحق الإلهي.

ما أقصده هو أن الإمامة الزيدية التقليدية، وعلى نحو ساخر، قد تكون أكثر جمهورية من جمهورية الحوثيين التي يستخدمونها لإخفاء أقبح نوع من الإمامة.

وهكذا، فإضافة إلى تبديل كلمة "إمامة" بكلمة "ولاية"، وإضافة إلى استحداث لقبين هما "عَلَمُ الهُدى" و"قائد الثورة"، فإن التجديد الآخر والأهم الذي يبدو أن الحوثيين قد أدخلوه على الإمامة الزيدية التقليدية، هو أنهم نزعوا منها ذلك العنصر الذي كان يعتبر في زمانه أفضل ما فيها: فكرة الخروج على الحاكم ومعارضة إمامٍ بإمام، رغم أنه حق مكفول فقط للمنتمين سلالياً إلى الدائرة العلوية الفاطمية.

إذن، حتى ذلك المتنفَّس القديم العتيق شطبوه. وهذا الشطب هو تحصيل حاصل لإخفاء الحوثيين "الإمامة" كمسمى صريح لسلطتهم القائمة، لكن مع تحقيقها بنفس الأسس كواقع، وتغليفها بمصطلحات وألقاب وأشكال متعددة. هنا فقط يكمن كل تجديدهم لا أكثر. وهذا هو المعنى الوحيد لقولهم: نحن لسنا إمامة! أي إننا لسنا الإمامة التي تعرفون، نحن نحاول جاهدين على أن نكون إصداراً "فيروسياً" إمامياً يتدارك ثغرات الماضي، سوف نكون الفيروس السوبر!