د. صادق القاضي

د. صادق القاضي

تابعنى على

ثورة فبراير.. عنزة ولو طارت.!

Thursday 11 February 2021 الساعة 08:29 pm

يحدث في الطب أن "تنجح" العملية ويموت المريض، وفي السياسة أن "تنجح" الثورة وتنهار الدولة، ويموت الشعب، ويتفرق دمه وماله واقتصاده وأمنه واستقراره.. بين القبائل والعصابات، والمغامرين والمقامرين، وأمراء الحرب وتجار الأزمات..!

لم يعترف "الثوار" حتى أن هذا ما حدث في اليمن، من وجهة نظر الحوثيين أصبحت اليمن أفضل، بينما يحتفل الإخوان بالذكرى العاشرة لتلك الاضطرابات كما لو أنهم حكام في صنعاء، لا لاجئين في منافي الشتات.!

يحدث الأمر جوهريا فيما يتعلق بليبيا وسوريا.. تونس ما تزال مؤهلة، بشكل ما للانزلاق في نفس الهاوية، أما مصر.. فقد نجت بأعجوبة من طوفان الموجة الثورية الأولى لتسونامي "الربيع العربي".

الموجة الثانية لهذا "الربيع الثوري".. وبغض النظر عن إشكالياتها المعقولة حتى الآن في لبنان والعراق، كانت في السودان والجزائر موفقة، نقية.. قوية.. ناضجة.. ومختلفة نوعياً عن نظائرها في الموجة الأولى.

الفرق هو -فقط وفقط- أن ثورات الموجة الثانية.. بخلاف ثورات0 الموجة الأولى:

- لم تسلم زمامها لجماعات الإسلام السياسي.

- ولم ترهن مصيرها لأطراف خارجية داعمة لهذه الجماعات.

- ودشنت تجاربها بوعي واستفادت من فشل التجارب السابقة.

التجارب المريرة المسبقة للجزائر والسودان، مع القوى السلفية والإخوانية، كانت بمثابة تطعيم لها من وباء هذه الجماعات، وأكسبتها مناعة ذاتية من الغوغائية والعنف والسعار الثوري.

وبشكل عام.. كلما ركبت جماعات الإسلام السياسي ثورة.. فخختها وفجرتها من الداخل وجعلت الخارطة السياسية للبلد ممزقة مبتذلة ومأزومة، غارقة بالدماء والإشلاء.!

هذا كل ما تملكه هذه الجماعات، وفاقد الشيء لا يعطيه.. 

تكمن المشكلة في عمق الجينات الفكرية والعقلية لهذا الجماعات.. وعقائدها السياسية الكهنوتية الشمولية.

تكمن المشكلة أيضا بنفس القدر، في الفكر والوعي الثوري.. من حيث كونه لوثة أيديولوجية مرتبطة بالعنف والتدمير، منفصلة عن العقلانية والواقع، ولا تنتهي بسقوط النظام الذي تمت الثورة عليه.!

ما يجعل المشكلة أكثر تراجيدية أن تجد من يدافع عن الثورة، ويقدسها لذاتها.

 أولى قواعد السياسة الشعبوية الثورية: أن الثورة هي الحل والحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.!

من وجهة نظرهم، الخطأ فقط هو في "الثورة المضادة" التي هي أصلاً لا وجود لها، وأكذوبة ثورية سخيفة للتنصل من مسئولية الكوارث الثورية الموجودة الصريحة المباشرة.

بالمناسبة الثورة على النظام الثوري، إن حدثت، ليست "ثورة مضادة"،  فهي بحد ذاتها ثورة كاملة المواصفات، وربما أكثر علاقة بقيم ومبادئ وأخلاق التغيير الإيجابي.

المهم، إن لم يكن الثوري، انتهازيا، فهو مغفل، بما يفسر إيمانه الأعمى بفكرة الثورة، ودفاعه المستميت عن التداعيات الثورية الكارثية على كل جوانب الواقع.

تتحمل الشعوب نفسها في الأخير تبعات الثورات وإن كانت ضحايا لها.

 جزء مهم من المسئولية، يقع على عاتقها باعتبار كل منها ضحية بائسة لثقتها غير المحسوبة بمنعدمي الأهلية.