نجم المريري

نجم المريري

عن المكتب السياسي للمقاومة الوطنية.. الأهمية والمأمول

Saturday 27 March 2021 الساعة 04:28 pm

نعلم جيداً أن الشرعية لا تحتمل أي انقسامات جديدة في داخلها، عدا أن ما ندركه أكثر من ذلك أن الشرعية، المنقسمة على نفسها، لم تعد تُحتمل.

عرّت معارك مأرب الأخيرة وكذلك تعز الموقف المهادن والمهين والمغيب لشرعية هادي في التعاطي مع الحرب، فالشارع الذي أرهقه انتظار استكمال التحرير كأهم أولوياته، غدا رجاؤه الأخير هو أن تحافظ الشرعية على مناطق سيطرتها، وأولوية فعل التحرير استحال إلى إرساء الأمن في المناطق المحررة.

إن الشرعية بالنسبة لقوات الساحل الغربي بمناطقها التابعة لتعز والحديدة، ورطة وفخ كبير وطروادة أخرى، اتفاق استوكهولم شاهد على ذلك، أيضا حالة التوتر التي عاشتها القوات المشتركة وهي تنظر لتهاوي مأرب من وراء شاشة التلفاز، مقيدة عن أي تدخل عسكري دون ضوء أخضر من الشرعية، الشرعية التي راعها طلب القوات المشتركة إذناً بالتدخل أكثر مما راعها سقوط مأرب كليا في الكماشة الحوثية.

كأحد المتواجدين في المخا، كان يخيفني البقاء المتواتر لقوات حراس الجمهورية "مقاومة وطنية" على مقربة من الشرعية دون غطاء سياسي، عندما أعلنت عن تشكيل خلية إنسانية إغاثية خاصة بها قلت ممتعضا لأحد الأصدقاء المحسوبين على المقاومة الوطنية: "السلال الغذائية وسيلة مؤقتة لكسب رضا الناس لا نضالاتهم، ليس بمقدور الإنسان العادي إزاء مواقفكم الإنسانية إلا أن يعلق بالقول، "كانوا طيبين" وهو ينظر ساكنا وحزينا لسقوطكم إن لم يستدل بمأثور درويش حينها "كانوا طيبين وسذجا".

 إن كسب الناس سياسيا يجعلهم أقوياء، يحيلهم إلى قادة مناضلين أو محاربين، إنه أشبه بالشعور بالإنتماء، فيما العطاء الإنساني يذكرهم بفقرهم وينمي فيهم الإحساس الغرائزي بالضعف.

 إن العمل الإنساني من الضروري أن يلازمه حراك سياسي، لا ينبغي التعويل على السلاح كوسيلة عسكرية لفرض البقاء ولا على ولاءات ومؤتمرية الناس القديمة كوسيلة سياسية لحشد الشارع ومبادلته الثقة وإشعاره بالإنتماء، بعد صالح أو دون صالح كل شيء أضحى منقسما مرتابا أو مريبا، أخبرته أنني واحد من الذين أتوا المخا دون أي انتماء سياسي وبقيت هكذا إلى اليوم، كالمخا تماما خالٍ من أي فعل سياسي، أنتظر وجلا عاصفة محتملة، تخيفني أي نأمة تحدثها تحركات الأعداء، كالبقاء مجردا كنت على ثقة أن المنطقة عارية عسكريا، مقيدة ومخاطِرة ومضحية، مهما بلغت قواتها وقوتها إذا ما بقيت دون غطاء سياسي.

ذات مرة سألني مهاجما أحد زملائي في الصحافة وزميلي في الشرعية أيضا "لماذا لا يعلن طارق انضمامه الصريح للشرعية؟!"

لم أجبه وقتها، كنت على ثقة أن سؤالا كهذا ينبغي أن يوجه، أكثر من طارق، إلى هادي أولا بخياراته وتوجهاته المعلومة مسبقا إذا ما أعلن طارق انضمامه الصريح، كان تساؤل صاحبي تجسيدا حقيقا لأهداف الشرعية كبحثها عمن يخوض حربها ويسلمها تضحياته لا عمن يحارب معها.. عمن يسلمها قراره وتضحياته دون أن يكون جزءا من هذا القرار، لا يمكن لطارق أن يقامر بقواته ويسلمها لحماقات الشرعية، إن من الأنسب لنا نحن المكبلين بالشرعية كخيار وحيد متوفر أن يكون طارق حليفا للشرعية وجزءا فيها لا جزءا منها، إن توفر البدائل وتعدد الخيارات السياسية أمر مهم لاستعادة العملية الديمقراطية التي قضينا عليها، نحن الذين لا نعرفها سوى في الصناديق، حين وافقنا على اقتراع هادي كمنتخب وحيد.. ويا للأسف كان هذا أول منتج لما سمي حينها بـ"ساحات الحرية".

فضلا عما سبق كان أي بحث عمن هو الشرعي الوحيد بحاجة للعودة للماضي والدخول في تفاصيل لن تجدي في إقناع صديقي العدو، بحسب رؤيته المسبقة وتصنيفه السياسي لي، بماذا سيفيد سؤال "من أدخل الحوثيين عمران ومن رحب بهم في صنعاء وأي منزل فرضت المليشيا رقابتها عليه أولا عند دخولها صنعاء، ومن تحالف مع الحوثيين في ربيع 2011 ومن هو القائد الوحيد الذي اُستهدف عسكريا إلى مسجده في قصره أيامها، ليلقى ربه في معركة فردية مسلحة مع المليشيا بعد عامين من الانقلاب وبقائه القسري بأظافر منزوعة؟".

إن الشرعية هي الخيار المنتخب لعامة الشعب لا تلك التي ترى في تمديد الحرب وسيلة لإحكام بقائها واستمراريتها على حساب تاريخ انتهاء صلاحيتها الانتخابية وخيارات البقاء الإنساني.

إن الشرعية هي ما نادى به طارق صالح في خطاب إشهار المكتب السياسي للمقاومة الوطنية وهو يذكرنا بأول خيار سياسي ديمقراطي ويعيدنا إلى صلب العملية السياسية 'صناديق الاقتراع'. 

أنا أكثر تفاؤلا بالمكتب السياسي للمقاومة الوطنية، بعد ست سنوات حرب ها أنا أتفاءل لأول مرة، خصوصا إذا ما كان المكتب السياسي خطوة أولى نحو مجلس سياسي ينضم إليه عقلاء تعز أيضا نحو تحالفات سياسية قادمة مع المكون الجنوبي، ويتجه الجميع مباشرة نحو استكمال التحرير في معركة خلاص واحدة تكون فيه البندقية هي الشرعية الوحيدة قبل أن تتحول أصواتها إلى أصوات انتخابية، ويصبح المجلس السياسي مجلسا عسكريا في بادئ تحوله الاستقلالي..

رئيس منتخب وحكومة تصالحية وبرلمان توافقي وشيئا فشيئا ما أن تتعمق وتتصلب وتتعالى مداميك السلام وتتاح للشارع خياراته يغدو كل شيء منتخبا وديمقراطيا حتى خيار الوحدة نفسه.