بحسب الدراسات المعمقة في علم السياسة المقارنة، اهتدى الباحثون لعدد من المناهج التي من خلالها يتم تقييم السياسات لدولة ما، ومن يقف خلف تقدمها، والقرارات التي تصدر عن السلطة السياسية، وقدرتها على النهوض بالبلاد، ورفع مستويات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية فيها، وتوصل الباحثون الى وجود (جماعة) أو نخبة تتحكم في ذلك التطور والنمو والتقدم طالما فكرت النخبة بطريقة إيجابية، كما أنها ذاتها -اي النخبة- تشكل عائقاً وحجر عثرة في طريق المجتمع متى ما تمسكت بمصالحها، وجعلتها فوق الوطن، ولأجلها سخرت كل ممكن وغير ممكن، من القيم والثقافات والدين، وباعتبارها نخبة سلبية فاسدة فمن المنطق ان لا نتوقع منها اي إيجابية أو خير للوطن والمواطن، وما نعانيه في اليمن من هذه النخب السياسية والاجتماعية التي تزاوجت مع كل منكر كي تبقى مسيطرة ومهيمنة على الثروة وتمارس فسادها وافسادها دون اي رادع.
وإذا ما أردت أن تعرف من هم قادة ورواد النخبة السيئة في اليمن، ومن هو سندها السياسي الحزبي، عليك ان ترجع إلى تاريخ مطالبات المجتمع والمثقفين والمتنورين بضرورة إقامة دولة نظام وقانون فعلي يتساوى امامه جميع المواطنين، وكيف تقافزت تلك النخب وانبرى أتباعها على تخوين كل دعوة والتشكيك بكل النوايا الوطنية في بلادنا..
ولنا ان نتأمل ردة الفعل الجنونية التي واجهت، وما زالت تنتهجها تلك النخب، اي دعوة للمدنية الحقيقية، والمواطنة المتساوية، والانفتاح الايجابي على الثقافات الأخرى واطلاق الحريات العامة، فسترى العجب، سيبدأون بتخوينك، ثم تسفيهك، وصولا الى استباحة دمك ومالك وعرضك، والمبرر الذي ستقدمه تلك النخبة هو حفاظها على القيم الدينية، وأن أي دعوة للتقدمية والمدنية الحقة تعني في جوهرها كما يصورون للأتباع المؤدلجين، تحمل الشر المستطير (العلمانية)، ويبدأ مسلسل ترويج الأكاذيب والصاق الأباطيل بها، باعتبارها فصلا للدين عن الدولة، وتعطيلا لأحكام الله وحدوده، والحقيقة أنها لا تعطل سوى مصالح تلك النخب التي استأثرت بالسلطة والثروة، وكانت سببا فيما نعيشه اليوم وما زالوا في غيهم، ونفاقهم وتدثرهم بالدين، باعتبار الدين هو تجارتهم الرابحة التي من خلالها يستغفلون الناس، ويعطلون كل رغبة وتوجه نحو البناء الحقيقي للوطن.
لقد أثبتت الوقائع والأحداث، أن لدى نخبنا كمية لا تضاهى من (المزناوة)، والمزناوة هنا ليست شتيمة أو قذفا، فهي بالمعنى الدارج تعني (التحذلق والمزايدات، والمراوغة والكذب والفساد منقطع النظير)، ولأجل ذلك إن أعظم ما نحتاجه اليوم لبناء الدولة في اليمن، هو فصل المزناوة عن الدولة، فخطرها يفوق أي أمر آخر، ولكي تستعيد بلادنا عافيتها، ويتمكن الأوفياء الأكفاء من بناء الوطن، لا بد من إزاحة تلك النخب التي سخرت كل شيء لصالحها ولخدمة مشروعها، بما في ذلك الدين، واستغلال مأساة الشعب اليمني للتسول بها في العواصم العربية والغربية، وصولا لاستثمارهم حتى في جبهات القتال، وممارسة البيع والشراء من خلال التقدمات الوهمية والانسحابات والخيانات المتفق عليها، فهذه النخبة واساليبها الملتوية (المزناوة) هي الخطر الحقيقي على حاضر اليمن ومستقبلها، لذلك ما نحتاجه اليوم هو فصل (المزناوة) عن الدولة اولا وآخرا.