ثنائيات الحالة السياسية في اليمن تتناسل بشكل لا نهائي تماما كما تتناسل الفايروسات وغيرها من الطفيليات، التي تتكاثر عن طريق الانقسام الثنائي وأحيانا غير الثنائي.
في اليمن شمال وجنوب، ولكل منهما وضعه السياسي والعسكري والاقتصادي، وحتى العملة صار لها سعران مختلفان في الجغرافيتين، وفي اليمن شرعيون وانقلابيون، وفيها حروب مع الداخل وحرب مع الخارج، والشرعية منقسمة إلى شرعيات بلغ بها الصراع أن بعضها تحارب علنا الشرعية الرئيسية ممثلة بالرئيس هادي.
هناك تدخل من قبل التحالف العربي وهناك من لا يعجبه هذا التدخل فيطالب بتدخل آخر إسلامي.
هناك طرفان يتحاوران في العاصمة السعودية الرياض، لكن أحدهما يقتل المحسوبين على الطرف الآخر بالدبابة والآر بي جي ومضاد الطيران، لأنهم خرجوا في فعالية سلمية يطالبون بحقوقهم ويرفضون الهيمنة والإقصاء.
إنني أتحدث عن الوضع المأساوي الذي تعيشه محافظة شبوة الجنوبية منذ تعرضها للغزو أواخر أغسطس 2019م، حيث لا يمر أسبوع وأحيانا يوم أو يومان، دون أن نسمع عن اغتيال أو قتل أو اعتقال أو اختطاف وإخفاء مواطن أو أكثر من المحسوبين على قوات النخبة الشبوانية وهيئات المجلس الانتقالي الجنوبي.
كان الأسبوع الأخير هو الأكثر حرارة في عمليات الاعتداء على المواطنين في شبوة، وخصوصا على الفعالية الجماهيرية التي شهدتها مديرية نصاب بالمحافظة والتي نجحت نجاحا أصاب السلطات المحلية بالهلع والرعب، وهي الفعالية التي تم نقلها من موقع إقامتها المعلن بعبدان، بعد ما تعرض له القائمون عليها من تهديد من قبل سلطات المحافظة التي يهيمن عليها الزملاء في التجمع اليمني للإصلاح وهم الذين نسوا بلداتهم وديارهم أو استودعوها شقيقهم الحوثي وانتقلوا لخوض الحرب في شبوة وضد أبنائها.
المواجهة المسلحة بين السلطات المدعومة بالأشقاء الهاربين من مأرب وصرواح والجوف ونهم وحتى من ذمار، وبين مواطني شبوة لم تتوقف منذ قدوم الأشقاء في ذلك اليوم الذي يسميه أبناء شبوة بــ"المشؤوم"، لكن ما يميز الأحداث الأخيرة إنها تأتي بينما يخوض ممثلو شرعية الرئيس هادي مع ممثلي المجلس الانتقالي الجنوبي حواراً مطولاً بدأ منذ نحو عامين، بهدف تنفيذ اتفاق الرياض وتطبيع الأوضاع وتمكين حكومة المناصفة (بين الشمال والجنوب) من العودة إلى عدن والقيام بواجباتها المعطلة منذ 2015م.
يتساءل كثيرون وهم معذورون: هل من يحكم شبوة هم جزء من السلطة الشرعية (المفترضة) التي تخوض الحوار مع ممثلي الانتقالي في الرياض أم إنهم خارجون عنها أو يتبعونها لكنهم لا يمتثلون لبرنامجها السياسي وتوجيه رئيسها الشرعي؟
إنه سؤال وجيه جداً، فإذا كان ما يرتكبه حكام شبوة بحق أبناء المحافظة من جرائم يتم من قبل ممثلي الشرعية التي تحاور الانتقالي في الرياض ويجري بعلمها وموافقتها، فهذا يكشف أن الشرعيين يكذبون على العالم ويخادعون الأشقاء والأصدقاء في حديثهم عن "تنفيذ اتفاق الرياض"، والذي من أولوياته إيقاف أية مواجهات مسلحة وحشد الطاقات والقوى العسكرية باتجاه جبهات المواجهة مع الحوثيين الذي أوشكوا على إسقاط مدينة مأرب، وردهم على أعقابهم لاستعادة صنعاء من أيديهم.
أما إذا كانوا (أي الشرعيين) لا يعلمون بما تشهد شبوة من جرائم بحق مواطنيها فتلك فضيحة لا يمكن فهمها إلا بأن الشرعية لم تعد معنية بأرواح الناس التي تزهق ودمائهم التي تسيل وحرياتهم وحقوقهم التي تنتهك من قبل (شرعية) شبوة.
أما إذا كان الشرعيون يعلمون ذلك، لكنهم لا يستطيعون ردع الفاعلين، فالمطلوب منهم هو إعلان ذلك للعالم، وبالذات للأشقاء الذين ينتظرون منهم تفسيرا مقنعا لما تشهده المحافظة من جرائم منذ أغسطس 2019م.
ما يجري في شبوة ومثله ما حصل ويحصل في تعز وسيئون والمهرة ومناطق أخرى يؤكد ما قلناه مراراً بأن الشرعية شرعيات، ولكل منها اجندتها الخاصة التي تشتغل عليها، وهذا يخدم في مسرحية تبادل الأدوار وتخادم المصالح، فما لا يرغب في فعله طرف من تلك الشرعيات ينوب عنه به طرف آخر، والضحايا هم الجنوبيون.
أما خاطفو الشرعية فهم يتقنون استخدام المثل الشائع في بعض مناطق الشمال والقائل "الحجر من الوادي والدم من رأس القبيلي"، فالسلاح من الأشقاء في التحالف، والقبيلي في هذه الحالة هم أبناء الجنوب، سواء في شبوة أو في أبين أو غيرهما.
أحد النواب البرلمانيين من شبوة يقول إنهم (أي المحتجين في فعالية عبدان-نصاب وبقية مناطق شبوة) يريدون تخريب شبوة مثلما خربوا عدن!!!!!
وبعيدا عن لغة الاستغباء والاستهبال التي تتبعها الأوساط المخابراتية البليدة كما جاء في بيان ما تسمى بــ"اللجنة الأمنية" في شبوة، أقول لهذا الصديق، بعد الدعاء له بالشفاء، إن الذين يتظاهرون ويحتجون ويُقتَلون ويُعتَقلون ويتعرضون للتنكيل والاختطاف والإخفاء القسري في شبوة هم أبناء شبوة ولم يأتوا من خارجها، وهم بالتأكيد أكثر حرصا على محافظتهم من الحمقى والمزايدين من تلاميذ محمد خميس وغالب القمش ومن يسير في فلكهم.
أما من الذي تولى مهمة تخريب عدن فأعد صديقي العزيز بالتوقف عند هذه القضية في منشور لاحق.
وأخيراً.. لا العنف ولا الخداع ولا التغطية على الفضائح يمكن أن يخفي حقيقة واحدة، وهي أن المسيطرين على الشرعية المغتربة، يريدون أن يهيمنوا على البلاد ولكن بدون مواطنين، وإذا كان لا بد من مواطنين فليكونوا بلا حقوق ولا مطالب ولا خدمات وعليهم أن يستكينوا للمظالم وأن لا يفتحوا أفواههم ولا يرفعوا أصواتهم نصرةً للحق أو رفضا للباطل، وأن لا يتصدوا للمنكرات وأن يشكروا الشرعية أنها وهبتهم حق البقاء على قيد الحياة.
هل عرفتم من يعطل تنفيذ اتفاق الرياض إيها الأشقاء؟؟؟؟؟