عبدالكريم المدي
"نبيل الصوفي" الذي لا أجيد مجاملته
نبيل الصوفي، ولم أقل الأستاذ، لأنه في ظنّي أكبر من هذه المفردة وأوسع من مصطلح محدد وأعلى من لفظ عابر قد يقال في لحظة ما من باب المجاملة أو توزيع النياشين والرُّتب.
نبيل الصوفي، بداخله مشروع وفي عقله رؤية صقلتها التجارب وأنتجتها عقلية لا تعرف مبدأ الانكفاء أو فرضية التردد.
ولست مبالغا إذا قلت هنا إنه صاحب عقلية تختصر معظم المشاريع وتبدع في تقديم الأفضل بما تمتلكه من ذكاء وفطنة وصراحة وشجاعة وسيرة ومسيرة حياة حافلة.
لا أريد أن أنّظرَ وأنا أكتب عنه هذه الشهادة.. لكني أريد القول:
لقد قرأتُ نبيل الصوفي كثيرا وعرفته قليلا.. عرفته عن قُرب لفترة قد لا تتعدى الأسبوعين أو الثلاثة، جلست معه وكنت أستمع له كتلميذ ألتحق لتوّه بمجلس فيلسوف وسياسي وصحافي مُلم تماما بالأحداث، ولا أتردد لحظة في الاعتراف بذلك في حضرة هذا الصوفي الذي تستطيع أن تسميه سياسيا متفردا وكاتبا نادرا وإنسانا مخلصا لإنسانيته، وصحافيا ناجحا في مهنته وشجاعا لا يهاب ميادين معارك الحقيقة والصراع بين الحق والباطل.
وأقول معترفا: ينقصني كيمياء الاقتراب أكثر من الشاهقين لأجل أكبر قدر ممكن من الاستفادة منهم أولا:
وتوطيد عُرى المحبة والتواصل ثانيا:
رغم أن نبيل يعطي ما لديه دون أن يطلب منك مقابلا أو ينتظر منك حسنة أو أجرا معنويا.. يمنحك ما تريده من تلقاء نفسه، يحاول أن يزيدك ويزودك ويمدّك بقوت وغذاء لروحك ووعيك ولا يسألك أنت من فين ولا أين كنت ولماذا لم تقُل أو كنت محتاجا لأحد يقف معي أو يعزز فكرتي.
إنه فارس المعارك دون منازع.. فارس الرأي من دون تشنّج أو عصبية أو لؤم أو مساومة وتراجع.
قد أكون محظوظا جدا بالفرصة التي منحتني معرفة نبيل الإنسان والمثقف الذي لا يدّعي ولا يزعم ولا يتعالى، يخاطب كل من حوله بلسان قلبه ولغة روحه وحذاقة وعيه الذي يؤمن بما يضيئه له في دربه.
وعلى المستوى الشخصي أعرّج هنا بالقول:
أتذكّر -وبكل أمانة- أنه أهداني "قلما" وقال لي: "هذه ذكرى وآخر هدية لي من المرحوم، رحمه الله، أهديها لك أخي عبدالكريم".
وبدوري أعترف:
لقد كانت تقريبا تلك أغلى وأهم هدية تلقيتها في حياتي، عبّقت قلبي وملأت نفسي ووجداني بالتبجيل والتقدير والحب ورمزية ومعنى أن شخصا بحجم هذا المستنير والأمين، المبدع يمنحك بعد فترة وجيزة من تعارفكما شخصيا هدية لها قيمة ومكانة في نفسه.
على أية حال.. قد لا أضيف المزيد حينما أكرر شهادتي بالقول: إن نبيل الصوفي شخص مختلف تماما وقادر على الإدهاش والعطاء وخلق مناخات جديدة وملائمة في الإقناع والتأثير وتقبُّل وجهات النظر وفتح نقاشات حولها.
لذلك تجده يرد على من يسيء له أو يشكك برؤيته ورأيه بأسلوب هادىء ورصين وحكيم وربما هذه القدرة والصفة ليست متوافرة في فضاءات الصراع والاختلاف اليوم، سيما والسواد الأعظم يحفر من خلالها خندقا أعمق للمواجهة والتصيّد وتلغيم المشهد بالأحقاد والشتائم، بينما الصوفي رُبّما وحده يجعلها فكرة جديدة للحوار قدر الإمكان وإن ضاق بها أو وجد الآخر جاهلا ومقيدا أكثر من اللازم بفكرته وقناعاته الجاهزة صمت ومضى باحثا عن راحة بال أو مساحة وفكرة أخرى تكون أوسع للحوار والطرح والنقاش.
أعتقد أن نبيل الصوفي، ولست في وارد التقييم هنا، من المثقفين القلائل والمؤثرين الذين ما زالت لديهم مقومات المواصلة ومحاولة اختراق هذه الصخور الصماء والسميكة في واقع الاصطراع والضياع الذي نعيشه منذُ سنوات ونهوي في غبش سقوطه ومنحدره السحيق.
ليبقى هذا النبيل نبيلا حقّا حاملا قلمه، وفارضا رؤيته واسمه بما يتمتع به من حُجّة وإلهام وإرادة دون أن يرتعش له كتف أو ترمش له عين أمام سيل الاتهامات وإصدار الأحكام المسبقة والمُعلّبة التي طالما حاولت مصادرة اسمه ورأيه.
لذلك من الانصاف أن نكرر في سفحه كلمة: "شكرا" أنك واقف بكل هذا العنفوان والمغالبة والصبر.
شكرا لكل الآفاق التي تفتحها لنا لتبعث فينا أملا ومعنويات متجددة في مواصلة السير وتحدي هذا الكم الهائل من التحديات والعقبات والإحباطات.
عذراً أضيف أخيراً:
نبيل الصوفي، شخص لم يعد يهم فقط، مجموعة أصدقاء أو زملاء أو تيار معين، بقدر ما يهم جموعا وتيارات وطنية ونخبا مشتغلة بالهم العام والوضع الشائك الذي يحتاج لأسماء من خامته ومعدنه ومداد القلم الذي يكتب به ليصنع من خلاله نجوما ومدارات ورؤى وصياغات نحن بأمس الحاجة لها والتأمل فيها.
وبمناسبة عيد ميلادك نبيلنا النبيل.. عمر مديد وكل عام وأنت للخير والأمل والعافية والمجد أقرب.
*من صفحة الكاتب على الفيسبوك