سامي نعمان
الشرعية واتفاق السويد.. مقاربة لخطر وجودي ومجاملات دولية
وصلت قيادة الشرعية مرحلة حرجة وفاصلة تتمثل بخطر وجودي يهدد كيانها ومصالحها هي أكثر مما تهدد اليمن، رغم الخطر الكبير الذي جلبته للبلاد بسوء الإدارة وترحيل الأزمات الصغيرة، وعدم حسمها حتى تصبح جبالا من جليد توشك على الانهيار لتسحق ما تحتها..
ولطالما سوقت الشرعية عدم التزام ميليشيات الحوثي الإرهابية باتفاق ستوكهولم الذي أبرمته بيدها باعتباره سبباً مباشراً لانتكاساتها في غير جبهة، بل وتستمر في اطلاع العالم في كل لقاء يتم بين مسؤوليها ومسؤولي الدول الغربية أن ميليشيات الحوثي استغلت الاتفاق، الذي لم تلتزم به أساسا، للتحشيد نحو مأرب وغيرها.
ثمة معطيات يدركها العالم جيدا حول هذا الأمر، ولا يعني تكراره شيئا، لقد علقك بمشنقة الاتفاق وعاد يبتزك به، ويدرك أن الاتفاق أدى وظيفته وكفى، من وجهة نظرهم..
قالها جريفيث صراحة في تصريح لموقع الأمم المتحدة في الذكرى السنوية، إن الاتفاق حقق هدفه الأساسي المتمثل في وقف معركة الحديدة، وهذا يكفي لتجنب الكارثة الإنسانية، أما بقية البنود فهي بحاجة إلى اتفاق سلام أوسع لتنفيذها.
ورغم ذلك تصر الشرعية على العويل على اتفاق ستوكهولم الذي أبرمته مسلوقا فضفاضا بدون ضمانات، باعتباره سبب كل خيباتها وترهلها بعد ذلك التاريخ، مع أن هناك أسباباّ أخرى جوهرية جلبتها بسوء إدارتها وتعاملها مع الحلفاء الإقليميين وتجاوزها لأزمات محلية نالت تبعاتها من صلب سلطتها كأحداث أغسطس في عدن 2019 وما بعدها وصولا إلى اتفاق الرياض الذي يراوح مكانه دون تنفيذ جوهري.
تستعرض قيادة الشرعية أمام العالم التزامها الجاد بالسلام من خلال الالتزام باتفاق ستوكهولم، لتحصل على عبارات مجاملة وثناء بائسة لا تعني شيئا أمام الواقع.
ورغم أن الالتزام باتفاق ستوكهولم نابع من كونها حكومة شرعية مسؤولة، إلا أن تبعات الاتفاق أوشكت أن تقضي على كيانها وتلغي مساحة وثقل التمثيل لهذا الكيان الضعيف المعروف بالشرعية، فهل ستظل بعد أن تفنى الشرعية من أي تمثيل على الأرض تناقش العالم بأن السبب هو التزامها باتفاق ستوكهولم وتنتظر منه أن يكافئها على ذلك؟.
بالطبع لن يكافئها بأكثر من الإلغاء التلقائي للاعتراف بهذا الكيان الذي لم يعد له أي تمثيل على الأرض.
ذات مرة سمعت مسؤولا حكوميا يقول، إن إلغاء اتفاق ستوكهولم يترتب عليه تبعات قانونية أمام العالم إضافة إلى أنهم ليسوا متأكدين من أن القوات المشتركة ستتبع القرار وتمضي في تحرير الحديدة، أم سيكون لها رأي آخر يحرجها، ويظهر قرارها بالفارغ، تبعا لحسابات داعميها؟.. لكن ثمة إشارات صريحة تطمئن الشرعية.
مؤخرا بعث قائد القوات المشتركة في الساحل الغربي العميد، طارق صالح، إشارات إيجابية تجيب على كل اللمز والغموض بعدم اعترافه بالشرعية وأكد أن تشكيله للمجلس السياسي يهدف ليكون كيانا حاضرا ضمن مكونات الشرعية.
قبل التصريح كان ضباط طارق صالح ومساعدوه معينين ضمن فرق التفاوض وضمن لجنة إعادة الانتشار والأسرى وهيئات رئاسية أخرى بقرارات رئاسية.. وبالتالي حان الوقت لوضع العصي في دواليبهم وإزالة العائق الذي يزعمون أنه وضع في طريقهم وحال دون إكمال معركة التحرير.
الخيارات صعبة وقد يكون نقض اتفاق ستوكهولم مكلفا لجهة المواقف الدولية، لكنه أقل كلفة من استمرار العمل به وخسران ما تبقى من البلاد لصالح الاحتلال الإيراني.
وبالتالي أصبح إلغاؤه حتميا وأمراً مصيرياً وجزءاً من معركة وجودية، حتى وإن أحرج الشرعية ولم يترتب عليه معركة قوية كسابقتها، لكنها ستكون حينها أدركت يقينا كثيرا مما يحاك ضدها وضد اليمن، رغم أنها لن تفهم وستواصل مسيرة التغافل.
وأن تدرك اليوم الصديق من العدو ولا يزال فيها عرق ينبض، خير من أن تدرك ذلك بعد أن تفقد رمقها الأخير وتدفع تحت رمال السذاجة والضعف التي أودت بنفسها والبلاد معاً.
مقاربة أضرار ومخاطر إبقاء اتفاق ستوكهولم والالتزام به مقابل الطبطبة الدولية على كتف الشرعية على تعقلها والتزامها ومسؤولياتها وهي التي لا تعني شيئا سوى الهراء، مقابل الخسارة على الأرض بمحافظات عدة وصولا إلى معقلها الرئيس الذي يعترف بها شمال اليمن، وتهديد كيان الشرعية كأمر واقع، وهو الكيان الذي لطالما حاول غريفيث إنهاءه وغيره بالدبلوماسية.. يعني أن الكفة تميل لصالح إلغاء الاتفاق ولديها من المبررات -وأبرزها التهديد الوجودي وعدم التنفيذ- ما يحتم عليها اتخاذ خطوة جريئة لحماية الدولة الشرعية بما هي ممثل الدولة محل الاعتراف وحماية الإنسانية والمواطنين من الإرهاب.
العالم يصغي اليوم ويحترم الأكثر قوة وجرأة، وها هي أمريكا رضيت من أفغانستان بسلامة الانسحاب وهي التي ضحت فيها بآلاف من رجالها وترليونات الدولارات، ضد طالبان كعدو حتمي، فما بالك وهي تتعامل مع الإرهاب الحوثي والتوحش الإيراني كمجرد حصان هائج بحاجة إلى ترويض.. وقس على ذلك ومواقف أكثر هزالة من الاتحاد الأوروبي.
لن تكترث الشرعية بطبيعة الحال وستواصل الفرجة وتعيقهم حسابات السلطة، فيما يهرطقون بالإشادات والانتصارات التي تنزف من دمنا، لأنهم يحسبون حسابات الشرعية باعتبارها المقدس الأول، لا اليمن.
أما اليمن فهو كيان جغرافي لا يهم أن يتلاشى وينحسر طالما واحتفظ بعرق ينبض يحفظ مكانة لكيان الشرعية حتى إن كان ذلك في أرشيف الذكريات.
*من صفحة الكاتب على الفيسبوك