ياسر اليافعي
البنك المركزي.. هروب من الفشل بمعاقبة الصرافين بالجنوب
البنك المركزي يهرب من فشله في الحفاظ على استقرار أسعار الصرف، بتحميل الصرافين في الجنوب مسؤولية التدهور الحاصل في قيمة الريال اليمني.
تعرف قيادة البنك المركزي في عدن أن الحفاظ على أسعار الصرف مسؤوليتها الأساسية من خلال توفير عملة صعبة تكفي احتياج السوق، وتنفيذ سياسة نقدية واضحة المعالم، وكذلك وظيفة الحكومة اتخاذ سياسات مالية وترشيد الإنفاق، والقضاء على بؤر الفساد.
ويدركون أيضاً، أن الصرافين مجرد انعكاس لسياسة البنك المركزي والوضع الاقتصادي للبلد، وفي الأخير هم تجار لا أقل ولا أكثر.
قيادة البنك المركزي تدرك إدراكا كاملا أن سبب الانهيار الكبير مؤخراً هو تحويل مليارات الريالات من العملة الإصدار الجديد في مأرب وسيئون وشبوة إلى عملة صعبة، حيث تتحدث مصادر عن وصول الريال السعودي إلى 500 في السوق السوداء في سيئون وشبوة، وأن الصرافين في هذه المحافظات يطلبون عملة صعبة من عدن بأسعار كبيرة للغاية.
وتدرك هذه القيادة أن سبب الانهيار الكبير في الأساس هو طباعة مليارات الريالات من الطبعة الجديدة دون غطاء، في ظل وجود فساد كبير وعدم رقابة على المال العام، وقيام مسئولين وقيادات عسكرية بتحويل هذه الطبعة إلى عملة صعبة مما تسبب في حدوث انهيار كبير في المناطق التي يديرها البنك المركزي عدن.
ويعلمون أن صرافين كبارا فروعهم الرئيسية في صنعاء وتحت إشراف الحوثي، موجودون داخل عدن وهدفهم الرئيسي استنزاف العملة الصعبة لصالح الحوثي والتجار الذين يعملون في مناطق سيطرته، ومع ذلك لم تُتخذ ضدهم أي إجراءات.
وتفهم هذه الإدارة أنها سبب رئيسي في منح أكثر من 200 مؤسسة ومنشأة صرافة تراخيص في عدن، وكان هدفهم الرئيسي الرسوم التي يدفعها الصيارفة وابتزازهم بين الفينة والأخرى وليس الحفاظ على الاستقرار النقدي.
فشل البنك المركزي منذ 2017 في إيجاد سياسة نقدية، ومحاربة الإجراءات التي اتخذها الحوثي في مناطق سيطرته، رغم المنحة السعودية والتي بلغت ملياري ريال، حيث تم العبث بها من قبل القائمين على البنك وبعض التجار وهناك تقرير دولي بهذا الخصوص لا يستطيع أحد إنكاره أو التهرب منه مهما حاول.
والمؤسف أن البنك المركزي اليوم يريد تحميل الصرافين مسؤولية الفشل في إدارة البنك طوال ال7 سنوات الماضية، وتتهرب من مسؤولية الفساد الكبير والموثق دولياً، بالبحث عن شماعة تعلق بها هذا الفشل والإخفاق.
السؤال الذي يطرح نفسه اليوم أمام كل مراقب ومتابع لمجريات ما يحدث على الساحة، لماذا تحرك البنك المركزي بعد اقتراب الحوثيين من مأرب وتهريب أموال ضخمة من فرع البنك المركزي بمأرب إلى المحافظات الجنوبية؟
لماذا هذا التحرك بعد الخراب الكبير الذي كان البنك المركزي هو المتسبب فيه.
لماذا يحاول اليوم البنك المركزي الهروب من فشله بمحاربة رأس المال الجنوبي الذي بدأ يتشكل في الجانب المصرفي لأول مرة منذ ما بعد استقلال الجنوب؟، وهو يدرك أن الصرافين الجنوبيين كانوا الجهاز المصرفي والبنك المركزي للمحافظات الجنوبية أثناء الحرب وبعد الحرب، وما زالوا حتى اليوم يقومون بدور كبير في الجانب المالي، بغض النظر عن الملاحظات الكبيرة على أدائهم والتي طالما انتقدتها على صفحتي وفي مقالات سابقة.
المشكلة أنه بالتزامن مع ذلك يتم تشجيع بنوك ليس للجنوب علاقة بها لا من قريب ولا بعيد، بل هذه البنوك مسيسة وتخدم أطرافاً حزبية بعينها، وفشلت في صنعاء رغم الدعم الكبير المقدم لها من البنك المركزي والحكومة اليمنية قبل الحرب، مع أنه كان المفروض أن يتم دعم البنك الأهلي الذي ثبت قبل الحرب رغم المؤامرات الكبيرة التي هدفت إلى إفشاله، وبعد الحرب مارس نشاطه في ظروف صعبة للغاية وقدم تضحيات جليلة بينها استشهاد أحد كوادره وهو الشهيد "عبدالله سالم النقيب" مدير فرع عبدالعزيز.
على القيادة الجنوبية ممثلة بالمجلس الانتقالي الجنوبي، أن تدرك عواقب تصرفات البنك المركزي وأهدافه السياسية من كل الإجراءات التي اتخذها منذ 2017، وأنه أحد أسباب الخراب الاقتصادي الكبير، لذلك لا تسمح له المجال بالعبث بالجانب المصرفي الذي بدأ يتشكل في الجنوب.
كان المفروض أن يتدخل الانتقالي منذ 2017 بفرض لجنة للرقابة على البنك المركزي والإشراف على كل الإجراءات التي اتخذها والتي كانت كارثية بكل المقاييس، واليوم يجب إن لا يصمت تجاه ما يتعرض له الصرافون الجنوبيون، لأن الانتقالي يدرك جيداً أهمية وجود رأس مال جنوبي في الجانب المصرفي وله تجارب معهم وقت الأزمات.
نحن بحاجة ماسة إلى تنظيم الصرافين الجنوبيين، وتوحيد جهودهم حتى يشكلوا جهازا مصرفيا قويا يكون قادرا على مواجهة التحديات، وأن لا يتم السماح بتفتيت هذه المنظومة من قبل جهات فاسدة، وفق تقارير دولية ووفق الواقع الذي نعيشه.
*من صفحة الكاتب على الفيسبوك