تصاعد جرائم القتل الأسرية في اليمن.. مأساة صامتة وسط الحرب المستمرة
السياسية - منذ 4 ساعات و 48 دقيقة
في اليمن، حيث تعصف الحرب منذ أكثر من عقد، تكمن مأساة أقل ضجيجاً لكنها بنفس القدر من الفتك، إذ تتصاعد جرائم القتل الأسرية بشكل متسارع، خاصة في مناطق سيطرة ميليشيات الحوثي المدعومة من إيران. إذ لم يعد يمر أسبوع إلا ونسمع عن حادثة أو أكثر، غالباً نتيجة خلافات عائلية تبدو بسيطة في ظاهرها، لكنها تتحول إلى أعمال دمويّة تهز النسيج الاجتماعي بأسره.
هذه الجرائم لا تترك ضحاياها فقط، بل تمتد آثارها لتصيب المجتمع بالهلع والفزع، إذ تزرع الخوف في البيوت وتفكك الروابط الأسرية التي لطالما شكلت عماد المجتمع اليمني. الأطفال والنساء وكبار السن يجدون أنفسهم في مواجهة ألم مزدوج: ألم فقدان أحبائهم وسط عنف دموي، وألم العيش تحت وطأة النزاع المسلح وانعدام الأمن، مما يضاعف معاناتهم ويحول حياتهم اليومية إلى صراع دائم من أجل البقاء وسط مناخ من الرعب وعدم الاستقرار. كما أن الجرائم الأسرية المسجلة اليوم كانت نادرة في الماضي، ولكنها اليوم أصبحت جزءاً من واقع مؤلم يضاف إلى سنوات طويلة من الصراع، لتكشف عن هشاشة المجتمع اليمني تحت ضغط العنف المتعدد الأوجه.
أحداث مأساوية تكشف عن عمق الأزمة
في شمال شرق محافظة الضالع، شهدت الأوساط المحلية مأساة صادمة، حين أقدم مسلح حوثي على قتل زوجته وخالها وإصابة والدتها وخالتها بجروح بليغة، بعد أن أطلق النار عليهم خلال جلسة وساطة عائلية كانت تهدف إلى إعادة الزوجة إلى منزل زوجها في منطقة "العوابل" بمديرية جُبن. وأفادت مصادر محلية أن الجاني، الذي كان مجتمعاً مع أهل زوجته – وهي ابنة عمه – تعرض لرفضها العودة إليه، ما أثار غضبه ليحول خلافاً عائلياً بسيطاً إلى جريمة دامية هزت المجتمع المحلي بأسره. وبعد ارتكاب الجريمة، فرّ الجاني إلى منطقة مجهولة، تاركاً وراءه عائلة منهارة وأحزاناً عميقة لن تنسى، في حادثة تعكس الانهيار الأخلاقي والاجتماعي الذي تتسم به مناطق سيطرة الميليشيات، حيث يصبح السلاح والنزاع الشخصي مزيجاً قاتلاً لا يعرف الرحمة.
وفي محافظة "البيضاء"، شهدت مديرية "العرش" حادثة أخرى هزّت اليمن بأسره، حين قتل شاب والده بطريقة مروعة، ثم مثّل بجثته قبل أن يُقتل على يد شقيقه أثناء محاولته الهرب إلى أحد الجبال المحيطة. هذه الحادثة، التي أودت بحياة الأب والابن معاً خلال ساعات قليلة، تكشف عن مدى تفشي العنف الأسري وتأثيره المدمر على الأسرة اليمنية التقليدية، التي لطالما مثلت الملاذ الأخير للاستقرار الاجتماعي. العائلات في هذه المناطق باتت تعيش حالة من الرعب المستمر، حيث يمكن لخلاف بسيط أن يتحول إلى كارثة، مما يعكس هشاشة النسيج الاجتماعي وتدهور القيم الإنسانية تحت وطأة النزاعات المسلحة والسياسات الطائفية التي تغذي الكراهية والعنف بين أفراد المجتمع.
التحليل النفسي والاجتماعي للظاهرة
وتشير تقارير الشبكة اليمنية للحقوق والحريات إلى أن هذه الجرائم ليست مجرد حوادث فردية، بل تمثل جزءاً من تصاعد خطير للعنف الأسري في مناطق سيطرة الميليشيات الحوثية، حيث أصبحت جرائم قتل الأقارب ظاهرة متكررة تهز المجتمع اليمني بشكل متزايد. ففي تقرير حديث، وثقت الشبكة 123 جريمة قتل لأقارب، و46 إصابة ناجمة عن أعمال عنف نفذها عناصر تابعون للحوثيين في 14 محافظة، فيما سجلت خلال 48 ساعة فقط أربع حالات قتل لأقارب في محافظتي البيضاء والضالع، في ظل تجاهل شبه كامل للمعايير القانونية والاجتماعية.
وأوضحت الشبكة أن غالبية القتلة هم شباب خضعوا لدورات طائفية وعقائدية مكثفة تزيد من التعصب والعنف، وتغذي ثقافة الانتقام والكراهية، مما يجعلهم أكثر استعداداً لتحويل أي خلاف عائلي بسيط إلى جريمة مروعة. هذه الدورات، التي تفرضها الجماعة على مختلف الشرائح العمرية، بما في ذلك الأطفال والمراهقون، تعمل على غسل العقول وإعادة تشكيل التفكير الاجتماعي لتكريس الولاء للطائفة والميليشيا على حساب الروابط الأسرية والإنسانية.
ويرى الدكتور مهيوب أحمد المخلافي، استشاري الصحة النفسية أشار إلى أن "الضغوط النفسية والاجتماعية الناتجة عن الحرب المستمرة منذ سنوات، بالإضافة إلى غياب العدالة الاجتماعية، ساهمت في ارتفاع معدلات العنف الأسري". موضحًا إن هذه الجرائم الأسرية تعكس اضطرابات سلوكية عميقة لدى الشباب، ناجمة عن تراكم الصدمات النفسية المرتبطة بالحرب والنزاع المسلح المستمر، إضافة إلى الانغماس في ثقافة العنف التي تزرعها الجماعات المسلحة.
ويؤكد خبراء الصحة النفسية والاجتماعية أن التعرض المستمر للدروس العقائدية المكثفة والدورات الطائفية يولد شعوراً بعدم التسامح والخوف، ويخلق ما يشبه "الاستعداد النفسي للعنف" داخل المجتمع، خصوصاً حين يقترن ذلك بسهولة الوصول إلى السلاح وغياب أي رقابة مجتمعية أو قانونية.
ولم تعد هذه الجرائم مجرد حوادث فردية، بل أصبحت انعكاساً حقيقياً لانهيار النسيج الاجتماعي والروابط الأسرية في اليمن، حيث باتت كل أسرة في مناطق سيطرة الميليشيات معرضة لخطر الانفجار الداخلي في أي لحظة. كما أن استمرار هذه الظاهرة يترك أثراً نفسياً عميقاً على الأطفال والشباب، مما يهدد بتكريس جيل جديد من اليمنيين مشحونين بالعنف والكراهية، وهو ما يزيد من تعقيد جهود إعادة بناء المجتمع وإرساء قيم التسامح والسلام في المستقبل.
انهيار النسيج الاجتماعي وانعكاساته
وحذّرت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات من أن تصاعد الجرائم الأسرية في مناطق سيطرة الميليشيات الحوثية يعكس انهياراً حقيقياً للنسيج الاجتماعي اليمني، حيث تتحول المنازل، التي كانت يوماً ما ملاذاً للدفء والأمان، إلى مساحات للخوف والتهديد المستمر. ويظهر هذا الانهيار بوضوح في تفشي العنف الأسري وظاهرة قتل الأقارب، وسط تدهور غير مسبوق في الأوضاع المعيشية، وانتشار الفقر والبطالة، إضافة إلى الانفلات الأمني الممنهج وتوافر السلاح بين المدنيين.
وأكدت الشبكة أن كل شاب خضع لغسيل دماغ ضمن الدورات الطائفية والثقافية التي تفرضها الجماعة يُعد مشروعاً قاتلاً محتملاً، وأن كل أسرة في مناطق الحوثيين مهددة بالانفجار الداخلي في أي لحظة، حتى نتيجة خلافات عادية يمكن أن تتحول إلى مأساة دموية. هذه الجرائم، بحسب الشبكة، ليست مجرد حوادث عابرة، بل انعكاس لسياسات ممنهجة تهدف إلى تدمير الروابط الأسرية وتفكيك المجتمع اليمني من الداخل، عبر زرع ثقافة الكراهية والانتقام.
وتحمّل الشبكة الميليشيات الحوثية المسؤولية الكاملة عن هذه الجرائم، معتبرة أن الانهيار الأخلاقي والاجتماعي نتاج طبيعي لسياستها التدميرية المستمرة وتغذيتها المستمرة لثقافة الموت باسم الدين، والتي لا تفرق بين طفل أو شاب أو بالغ. وتشير الشبكة إلى أن الدورات الطائفية التي تُفرض على جميع شرائح المجتمع، بما في ذلك الأطفال والقصر، تُشكل عاملاً رئيسياً في إذكاء العنف، وتغذية الكراهية، وتفكيك النسيج الاجتماعي، ما يعكس مشروعاً طائفياً ممنهجاً يهدد مستقبل اليمن بأسره، ويترك آثاراً عميقة على تماسك الأسر والأجيال القادمة، محوّلاً المجتمع إلى بيئة خصبة للعنف المستمر.
ويشير الخبراء الاجتماعيون والنفسيون إلى أن هذا الانهيار يخلق حلقة مفرغة من العنف؛ حيث تؤدي الصدمات المتكررة والخوف المستمر إلى زيادة الاضطرابات النفسية والاجتماعية، وهو ما يعزز من احتمالية تكرار الجرائم الأسرية، في ظل غياب أي تدخل فعلي من السلطات أو المجتمع الدولي لإيقاف هذا الانحدار المأساوي.
دعوات حقوقية ودولية
ودعت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات المجتمع الدولي، والأمم المتحدة، وكافة المنظمات الحقوقية الدولية إلى التحرك العاجل والضغط على الميليشيا الحوثية لإغلاق مراكز التعبئة الطائفية التي تستهدف المدنيين، وتفكيك الدورات العقائدية التي تُغذي ثقافة الكراهية والعنف. وأكدت الشبكة أن استمرار هذه السياسات التدميرية لا يهدد فقط الأمان الشخصي للأفراد، بل يعرض المجتمع اليمني برمته لخطر الانفجار الداخلي، ويزيد من احتمالات تفكك الأسر، وانتشار العنف الاجتماعي، وارتفاع معدلات الجرائم الأسرية التي تحولت إلى ظاهرة مقلقة في مناطق سيطرة الجماعة.
وشددت الشبكة على أن الصمت الدولي تجاه هذه الانتهاكات يمثل عامل تمكين للجماعة المسلحة لمواصلة سياساتها العدوانية، مما يجعل الجهات الدولية أمام مسؤولية أخلاقية وقانونية للتدخل، وحماية المدنيين، وضمان وقف هذه الجرائم قبل أن تتعمق أكثر آثارها المأساوية على المجتمع اليمني، الذي يعيش أصلاً تحت وطأة حرب مفتوحة وانهيار شبه كامل للبنى الأساسية للحياة المدنية.
مأساة تتطلب تدخلاً عاجلاً
بينما تتواصل الحرب الإقليمية على اليمن، تتكشف مأساة إنسانية صامتة في المنازل اليمنية، حيث تحولت الخلافات الأسرية البسيطة إلى جرائم دموية مروّعة تهدد مستقبل المجتمع بأكمله. ومع كل حادثة قتل جديدة، تتفاقم دوامة العنف، ليصبح اليمن ليس مجرد ضحية للصراع المسلح، بل أيضاً ضحية انهيار النسيج الاجتماعي الذي كان يشكل قاعدة الصمود الأسري والمجتمعي.
ويحذر خبراء نفسيون واجتماعيون من أن استمرار هذا الانحدار الأخلاقي والاجتماعي سيؤدي إلى أجيال جديدة مليئة بالغضب، والعنف، والاضطرابات النفسية، ما يجعل معالجة هذه الأزمة أمرًا ملحّاً ليس على المستوى المحلي فحسب، بل على المستوى الدولي، لضمان حماية الأسر اليمنية، والحفاظ على أي فرصة لاستعادة الاستقرار الاجتماعي والإنساني في بلد يئن تحت وطأة الحرب والصراعات الداخلية.