تنظيم أمجد خالد.. تخادم "حوثي- إخواني" لإدارة الإرهاب في الجنوب
السياسية - منذ 3 ساعات و 37 دقيقة
صنعاء، نيوزيمن، خاص:
في لحظةٍ تتقاطع فيها الحسابات السياسية مع التحركات الأمنية، عاد اسم أمجد خالد إلى واجهة المشهد اليمني بإعلانه تشكيل تنظيم مسلح جديد تحت مسمى "المقاومة الوطنية الجنوبية لتحرير الجنوب المحتل"، في خطوةٍ تعكس ـ بحسب مراقبين ـ تحول الصراع في اليمن من المواجهة العسكرية المباشرة إلى حروب بالوكالة وإدارة الفوضى عبر خلايا الإرهاب التي يتزعمها الرجل.
هذا التطور لم يأتِ من فراغ؛ فالإعلان عن تشكيل هذه الخلايا جاء من مناطق خاضعة لسيطرة الحوثيين، ويُجسّد بوضوح حالة التخادم والتنسيق غير المعلن بين الميليشيات والتنظيمات الإرهابية التي تتقاطع في الهدف رغم اختلاف شعاراتها، وهو إضعاف المناطق المحررة وإرباك مؤسساتها الأمنية والسياسية.
ويأتي هذا الإعلان بعد سلسلة من الهجمات والتفجيرات التي شهدتها محافظات جنوبية، يُنظر إليه كامتدادٍ لمنظومة أوسع تعمل على إحياء أدوات العنف القديمة بواجهات جديدة، مستغلة الوضع الأمني وتشتت القرار السياسي لتحقيق مكاسب تخدم مشاريع النفوذ الإقليمية داخل اليمن.
تشكيل الكيان الإرهابي الجديد لم يُقنع المراقبين بحداثة المشروع؛ فحسب سجلات الأمن والتحقيقات السابقة، ربط اسم أمجد خالد بسلسلة عمليات تفجيرية وتفخيخية استهدفت قيادات وشخصيات محلية وعسكرية في عدن ومحافظات محرّرة أخرى، ما يضع تشكيله المعلن تحت مظلة اتهامات متكرّرة بتورطٍ في أعمال إرهابية.
تاريخ إرهابي طويل
يبدو أن إعلان الإرهابي أمجد خالد عن تشكيل ما يُسمّى هذه القوات، لا يعدو كونه محاولة مكشوفة لإعادة تدوير مشروع إرهابي قديم بثوب جديد، يهدف إلى لملمة ما تبقّى من خلاياه النشطة، وإضفاء غطاء سياسي على أعمال العنف والتفجيرات التي استهدفت ولا تزال قلب مؤسسات الدولة والوجود المدني في العاصمة عدن وبقية المحافظات المحررة.
التحليل الميداني لتاريخ الرجل وأنشطته يشير إلى أن أمجد لم يكن يوماً فاعلاً مستقلاً، بل جزءًا من شبكة ممتدة بدأت جذورها في تعز، حيث حظي ـ وفق تقارير أمنية ومصادر محلية ـ بدعم ورعاية سياسية من فصائل إخوانية، إضافة إلى تمويل لوجستي وغطاء ميداني وفرته شخصيات نافذة متورطة في إدارة التمويلات والعمليات السرية.
وخلال الأعوام الماضية، تحوّلت مدينة تعز إلى مركز عبور وبيئة احتضان لتلك الأنشطة، إذ اتبعت الجماعات هناك سياسة تهريب المطلوبين إلى مناطق الحوثيين كلما اشتدت الضغوط الأمنية أو القضائية عليهم، ما خلق نمطاً ثابتاً من التخادم بين الحوثيين والإخوان، يقوم على مبدأ تبادل المصالح واستيعاب من أصبح عبئاً على التنظيم.
هذه الشبكات، التي تمتد عبر محافظات عدة، تعيد رسم خريطة الإرهاب في اليمن بصورة أكثر تعقيدًا، وتضع أمام الأجهزة الأمنية والقضائية تحديات تتجاوز الملاحقة الميدانية إلى مهام استخباراتية متعددة الأبعاد، تشمل تتبع مسارات التمويل، وكشف خطوط الاتصال، وتعقب الممرات التي تنقل العناصر بين مناطق النفوذ.
وبذلك، فإن إعلان تشكيل ما يسمى المقاومة الوطنية الجنوبية لا يمثل حدثًا طارئًا، بل حلقة جديدة في مسلسل إعادة تدوير الإرهاب تحت يافطات سياسية متغيرة، هدفها ضرب الاستقرار في الجنوب، وتمكين قوى النفوذ من الاحتفاظ بأدواتها التخريبية كورقة ضغط داخل المشهد اليمني المتشابك.
قال الكاتب خالد سلمان إن إعلان أمجد خالد تشكيل ما أُطلق عليه "المقاومة الوطنية الجنوبية لتحرير الجنوب المحتل" من صنعاء لا يعدّ تطورًا عفوياً، بل هو "محاولة مرتبة لإعادة تصدير مشروع عنفي قديم" من قلب بيئة حاضنة تتحرك على خطوط تلاقي مصالح بين أوساط إخوانية في تعز وميليشيا الحوثي.
وبيّن سلمان أن أمجد، الذي تصف سجلات الأمن نشاطه بأنه إرهابي وطويل السجل، لم يَبدأ عمله من فراغ: فقد مارس حملة تفجيرات واغتيالات وأغرَقَ عدن بالسيارات المفخخة بهدف زعزعة أمن العاصمة ومراكز القرار، وكان بحسب الكاتب يحظى ـ برأي مصادره ـ بغطاء سياسي لوجستي من شبكات إخوانية وتمويل من شخصيات محلية منطلقين من تعز.
وأضاف الكاتب أن تصاعد الضغط القضائي والأمني عليه وإصدار حكم إعدام بحقه أجبر قادة الإخوان في تعز على "إعادة رسم مجسم العمل الإرهابي" عبر مرحلته الحالية: تهريب المطلوبين إلى مناطق سيطرة الحوثي واستيعابهم هناك كآلية للتخلص من "العبء" مع الحفاظ على إمكانية إعادة نشرهم لاحقًا، وهي ممارسة يصفها سلمان بأنها جزء من تعاون أمني متبادل بين مناطق النفوذ يُستثمر لخدمة حسابات تكتيكية.

انسجام مع خطاب الحوثي
يبدو أن إعلان الإرهابي أمجد خالد تشكيله المسلّح من صنعاء تحت حماية مباشرة من ميليشيا الحوثي لم يكن فعلاً منفصلاً أو مجرد تصعيد فردي، بل يتناغم تماماً مع الخطاب الحوثي الأخير الذي لوّح صراحةً بالانتقال إلى مرحلة "النشاطات الخلاياوية" في المحافظات المحررة. في البيان الصادر باسم ما يسمى "المقاومة الوطنية الجنوبية"، حدّد أمجد بوضوح جغرافية العمليات ضد الجنوب، منطلقاً من المناطق المشتركة بين تعز ولحج، وهي جغرافيا حساسة كانت ـ ولا تزال ـ مسرحاً لتقاطعات نفوذ بين الجماعات الإخوانية والحوثية، وممراً مثالياً لتحريك الخلايا وتسلل الأسلحة والعناصر.
يتقاطع هذا الإعلان مع التحولات الاستراتيجية في خطاب الحوثيين خلال الأشهر الأخيرة، إذ باتت الجماعة تُقرّ ضمنياً بعجزها عن استئناف المعارك التقليدية بسبب الخسائر الميدانية والضغوط السياسية، لتنتقل بدلاً من ذلك إلى تكتيك “إدارة الفوضى بالوكالة”، عبر أدوات وعناصر تعمل خارج الإطار النظامي وتنفّذ عمليات تفجير واغتيال تستنزف الأمن في المحافظات المحررة بأقل كلفة ممكنة.
ويؤكد محللون أمنيون أن ما أعلنه أمجد خالد لا يمكن قراءته بمعزل عن هذا التحوّل، فهو بمثابة ترجمة ميدانية لخطاب الحوثيين الذي يدعو إلى استثمار البيئة الأمنية الهشة في الجنوب، عبر تحريك الخلايا النائمة وتمويل المجموعات التي كانت تتلقى التدريب والتسليح سابقاً على أيدي شبكات مرتبطة بالجماعة. ويشير هؤلاء إلى أن التزامن الزمني واللغوي بين تصريحات أمجد وخطاب الحوثيين، يعكس تنسيقاً ضمنياً يهدف إلى توجيه رسائل سياسية وأمنية مزدوجة: أولها إرباك المشهد في الجنوب عبر التهديد بتفجير الوضع من الداخل، وثانيها الإيحاء بقدرة الميليشيا على اختراق عمق المحافظات المحررة رغم انكماشها العسكري.
ويرى المراقبون أن هذا التطابق في الخطاب والسلوك يؤكد وجود تفاهمات غير معلنة بين الحوثيين والجناح الإخواني في تعز، تقوم على تقاسم الأدوار وتبادل المنافع في مرحلة ما بعد الجمود العسكري، حيث يتولى الحوثي إدارة التصعيد السياسي والإعلامي، فيما تتكفّل أدواته الميدانية ـ كأمجد خالد ومن على شاكلته ـ بإشعال الجبهات الأمنية عبر الاغتيالات والتفجيرات واستهداف قيادات جنوبية فاعلة.
ورأى خالد سلمان أن الحقيقة التي تحاول بعض أجنحة الإصلاح إخفاءها تكمن في أن تعز تحولت ـ بدلاً من أن تبقى ساحة مواجهة مع الحوثي ـ إلى "رأس حربة لزعزعة الجنوب" و"قاعدة لوجستية للإرهاب" وملاذ آمن لعناصر تُدار عبر غرفة عمليات مشتركة بين أوساط إخوانية محلية وقواعد دعم حوثية؛ وهو ما يفسر، بحسبه، تحديد أمجد لمسرح عملياته من مناطق التماس مع تعز ولحج وظهور محور الجبولي الإخواني كواجهة تمويل وتسليح لهذه الانطلاقة.
وختم الكاتب بتحذير شديد اللهجة: ثنائية الفاعلين — الحوثي والإخوان — باتت تعملان بتناغم خطير إذ تتبادلان الأدوار وتُبرمْ اتفاقات ضمنية على إبقاء المواجهات التقليدية "مبردة" مع توجيه الصراع عبر أدوات ثانوية تستهدف استنزاف استقرار الجنوب وتفكيك نسيجه الاجتماعي والسياسي؛ لذلك يدعو سلمان إلى "انفتاح جنوبي واسع" على القوى الوطنية والمدنية في تعز لتوحيد الجهد وإزالة هذا الكابوس الإرهابي قبل أن يتحول إلى تهديد وجودي لعدن وبقية مناطق التحرر، مؤكدًا أن إهمال تعز اليوم يوازي بوارًا وأخطارًا مستقبلية لا يمكن تجاهلها.
رؤية أمنية وتحذير استراتيجي
وتؤكد الأطراف السياسية والمحلّلين أن ثمة "تخادماً" بين جناحين تُعدّهما تلك الأطراف "فاشيتين دينيتين" متنافرتين: الحوثي والإخوان، تتبادل الأدوار وتضبط ساحة الصراع الموجودة في الداخل وفق توزيع مصالح. وفق هذا الطرح، قد يتفق الطرفان غير المباشر على إبقاء الجبهات الساخنة "مبردة" والعمل عبر وكلاء ثانويين لإجبار الخصوم السياسيين والعسكريين في الجنوب على استنزاف مواردهم، ولبث حالة من الفوضى تخدم الأهداف الاستراتيجية لإقليم ثالث.
من الناحية التحليلية، ثمة دلائل على أن بعض مجموعات المطلوبين تُستوعب أو تُنقل إلى مناطق معازٍ ليعاد نشرها لاحقاً، وأن ثمة استغلالاً للفراغ الأمني والسياسي في دوائر محلية تتيح بروز قواعد لوجستية آمنة. لكن هؤلاء المحلّلين أيضاً يحذرون من الإفراط في تبسيط المشهد إلى "تحالف مريح" دائماً: التحالفات الميدانية والظرفية قد تكون مؤقتة ومتقلبة، ويجب التمييز بين مواقف تكتيكية مؤقتة واستراتيجية طويلة الأمد.
السلطات الأمنية في المحافظات المحررة تزيد من وتيرة المداهمات والاعتقالات وتعمل على سدّ الثغرات، لكن الخبراء يرون أن المواجهة تتطلب آليات أوسع: إجراءات استخباراتية متكاملة، تعاون أمني إقليمي، قطع خطوط التمويل، وحملات سياسية واجتماعية لتفكيك رواسب التطرف. كما أن استعادة السيطرة على آليات السرد المحلي ومحاربة روايات التمويل والتمويه ضرورية لمنع استعادة تعبئة الشبان لصالح منظمات تُقدّم نفسها على أنها "قوى مقاومة".
ويؤكد الإعلامي والمحلّل السياسي سعيد بكران إن إعلان تشكيل هذه القوة يعكس خطراً حقيقياً على أمن عدن والمحافظات الجنوبية، مؤكداً أن تهديدات التطرف والإرهاب المنطلقين من مناطق جنوب تعز لا يمكن تجاهلها أو التعامل معها بتراخٍ.
ودعا بكران إلى "لحظة إدراك واستنهاضٍ استراتيجي" تتجاوز الخطابات الارتجالية، مطالِبًا الأجهزة الأمنية والقيادات المحلية بوضع خطة متكاملة لحماية المدن والطرق الحيوية في عدن وأبين وشبوة، عبر تعزيز الإجراءات الاستخباراتية، وتضييق مسارات التمويل والتمويه، وتأمين حدود التجمعات السكانية.
وركّز بكران على أن أفضل وسائل الدفاع هي المبادرة القانونية والأمنية الفعّالة — عبر ملاحقة العناصر الإرهابية قضائياً وقطع ملاذاتها اللوجستية — لا انتظار وقوع الهجمات التي تزهق أرواح المواطنين وتزعزع استقرار المجتمع. ودعا كافة القوى الجنوبية إلى التكاتف المدني والدعم العملي للأجهزة الرسمية، مع تحذير من مغبة الانزلاق إلى أعمال انتقامية قد تضر بالمدنيين وتضعف الجهد الجمعي لمكافحة الإرهاب.
وختم بدعوة للتماس القوة والحق في إطار القانون: "حماية الجنوب مسؤولية مشتركة تتطلب حنكة واستراتيجية لا انتقام عشوائي"، مع تأكيده أن الصبر والحكمة لا يعنيان التساهل مع الإرهاب، بل العمل على إنهائه بالقانون واليقظة الوطنية.
>
