برًّا وبحرًا... الحوثيون يضيّقون الخناق على الغذاء ويحوّلون الجوع إلى سلاح
السياسية - منذ 3 ساعات و 34 دقيقة
صنعاء، نيوزيمن، خاص:
تواصل ميليشيا الحوثي الإرهابية إحكام قبضتها على شرايين الاقتصاد في مناطق سيطرتها شمال البلاد، لتتحول الحياة اليومية لملايين المواطنين إلى معركة يومية من أجل البقاء. فقد باتت الجماعة تتعامل مع الغذاء كأداة حرب، تحتجز شحناته في الطرقات والمنافذ، وتمنع وصول الإمدادات عبر الموانئ، وتفرض القيود على التجار والمستوردين، في مشهد يفاقم الأزمة الإنسانية التي توصف بأنها الأسوأ في العالم.
ولا يقتصر الأمر على الممارسات الميدانية التي تشل حركة التجارة، بل يمتد إلى سياسة اقتصادية ممنهجة تُدار من داخل مكاتب الجماعة، تهدف إلى تحويل السوق اليمنية إلى منظومة مغلقة تخضع بالكامل لشركات وقيادات حوثية نافذة. وباتت هذه السيطرة تخلق اقتصاداً موازياً خارج سلطة الدولة، تتحكم فيه مصالح النخبة الحوثية بينما يدفع المواطن الثمن بارتفاع الأسعار وانعدام فرص العمل وتآكل القدرة الشرائية.
هذا الواقع يثير قلقاً متزايداً لدى المواطنين والمنظمات الإنسانية على حد سواء، إذ تتضاعف مؤشرات انعدام الأمن الغذائي، وتتراجع إمدادات القمح والسلع الأساسية مع كل يوم تتأخر فيه الشحنات عند نقاط التفتيش الحوثية أو تُمنع من التفريغ في موانئ الحديدة. وفي ظل غياب أي مؤشرات على تغيير هذا النهج، يخشى مراقبون أن يكون الحوثيون قد انتقلوا من إدارة الحرب بالسلاح إلى إدارة الجوع كأداة سياسية لإخضاع المجتمع وابتزاز المجتمع الدولي.
حواجز الابتزاز
تحولت نقاط التفتيش العسكرية التي تنشرها مليشيا الحوثي على الطرق الرئيسية في مناطق سيطرتها، والتي تسميها زيفًا "منافذ جمركية"، إلى واحدة من أبرز أدوات الجباية غير القانونية التي تستنزف التجار والمواطنين على حد سواء. فهذه النقاط لم تعد تُستخدم لأغراض أمنية كما تزعم الجماعة، بل غدت منظومة ابتزاز ممنهجة تهدف إلى تحصيل الأموال وفرض الإتاوات تحت ذرائع مختلفة، تتراوح بين "الرسوم الجمركية" و"دعم المجهود الحربي".
وفي أحدث مظاهر هذا السلوك، احتجزت المليشيا في منطقة نقيل الإبل شمال محافظة تعز عشرات الشاحنات المحمّلة بالمواد الغذائية ومواد البناء، وأوقفتها لساعات طويلة، مطالبةً سائقيها بدفع مبالغ مالية باهظة مقابل السماح لهم بالمرور. وأكد سائقون وتجار أن المليشيا تتعامل مع هذه النقاط كأنها حدود دولية داخل الوطن الواحد، إذ تجبر الشاحنات القادمة من المحافظات المحررة على دفع "رسوم دخول" جديدة رغم سدادها للرسوم القانونية في المنافذ الرسمية.
وتكشف هذه الممارسات عن نهج اقتصادي مقصود تتبعه الجماعة لفرض نظام جبايات موازٍ خارج سلطة الدولة، بحيث تتحول حركة البضائع إلى مصدر دخل دائم لصالح قياداتها وشركاتها الخاصة. كما أن تأخير مرور الشاحنات يؤدي إلى تلف بعض البضائع القابلة للتلف السريع، ويضاعف من تكاليف النقل والتخزين، ما ينعكس مباشرةً على أسعار السلع في الأسواق.
ويرى مراقبون اقتصاديون أن هذه السياسة تندرج ضمن استراتيجية أوسع للحوثيين تهدف إلى تضييق الخناق على التجار المستقلين وإرغامهم على التعامل مع شبكات التهريب والموردين التابعين للجماعة. وبهذا، لا تكتفي الميليشيا بفرض الضرائب غير القانونية، بل تسعى إلى إعادة تشكيل السوق وفق مصالحها، عبر التحكم في سلاسل الإمداد التجارية واحتكار حركة البضائع بين المحافظات.
ويحذر خبراء من أن استمرار هذه الممارسات من شأنه أن يُحدث شللاً تدريجياً في النشاط التجاري ويؤدي إلى تراجع الإمدادات الغذائية والسلع الأساسية في الأسواق، خصوصاً في المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، حيث تتضاعف معاناة المواطنين جراء ارتفاع الأسعار وانخفاض الدخل وغياب الرقابة الحكومية الفعلية.
حصار بحري.. وجوعٌ يتصاعد
في البحر، يتكرر المشهد ذاته الذي يعيشه اليمنيون على اليابسة، فبينما ترسو عشرات سفن القمح قبالة موانئ الحديدة منذ أسابيع بانتظار الإذن بالتفريغ، تواصل ميليشيا الحوثي استخدام هذه الورقة الحساسة كسلاح اقتصادي، تمنح من خلاله الأولوية للتجار والشركات الموالية لها على حساب بقية المستوردين. وتشير مصادر ملاحية وتجارية إلى أنّ الميليشيا تتعمد تأخير إجراءات دخول السفن أو تمنع تفريغها كلياً، حتى تضمن احتكار توريد القمح عبر قنواتها الخاصة، في مسعى واضح لتعزيز هيمنتها على السوق وحرمان المواطنين من الإمدادات المنتظمة للغذاء.
وتستغل الجماعة الأوضاع السياسية والعسكرية المعقدة في البحر الأحمر، لا سيما بعد الغارات الأميركية والإسرائيلية على موانئ الحديدة والعقوبات المفروضة على الكيانات الحوثية، لتبرير سياساتها وخلق حالة من "الندرة المصطنعة" في السلع الأساسية. هذا الوضع فتح الباب أمام الحوثيين لابتكار سوق سوداء ضخمة يتحكمون فيها بأسعار القمح والدقيق، ما أدى إلى ارتفاع مضاعف في أسعار الخبز والسلع الأساسية، وترك مئات الآلاف من الأسر في مواجهة الجوع وانعدام الأمن الغذائي.
وبحسب مصادر إغاثية، فإن الميليشيا تسعى من وراء هذا التعمد في خنق خطوط الإمداد إلى استثمار الأزمة إنسانياً وإعلامياً للضغط على المجتمع الدولي، مستغلة المعاناة المتزايدة للمواطنين في مناطق سيطرتها للمطالبة بتخفيف العقوبات والإجراءات الاقتصادية المفروضة على موانئها. ويؤكد مراقبون أن هذه الاستراتيجية تمثل أحد أخطر أشكال الابتزاز السياسي والاقتصادي التي تمارسها الميليشيا، حيث تُدار أزمة الغذاء لا بوصفها نتيجة للحرب، بل كأداة من أدواتها، في محاولة لانتزاع مكاسب سياسية عبر صناعة الجوع وتعميق المعاناة الإنسانية في البلاد.
احتكار وسيطرة وتهرب من المسؤولية
أزمة مخزون القمح تكشف عن تحكم الميليشيا بمفاصل الاقتصاد في مناطق سيطرتها، وتحويله إلى منظومة مغلقة تدار عبر شبكاتها المالية، ما يضع الأمن الغذائي أمام تهديد مباشر ويحدّ من قدرة التجار المستقلين على العمل.
وتصاعدت الخلافات داخل أجنحة الميليشيا حول استيراد القمح وتفضيلات الشحنات الواصلة إلى موانئ الحديدة، ما أدى إلى توقف مطاحن البحر الأحمر عن العمل، مع تحذير الشركات التابعة للحوثيين من أي نقص محتمل في السوق المحلي نتيجة نفاد المخزون. ويشير هذا الواقع إلى استراتيجية ممنهجة لتأجيج أزمة الغذاء وضمان بقاء السيطرة الاقتصادية بيد قيادات الجماعة.
وفي الوقت ذاته، نفت وزارة الاقتصاد والصناعة والاستثمار التابعة للحوثيين أي أزمة في المخزون، مؤكدة أن الاحتياطي الاستراتيجي يكفي لشهور، وأن نظام الاستيراد "منظم وعادل"، رغم تقارير الشركات المحلية والشهادات الميدانية التي تشير إلى توقف مطاحن القمح واحتجاز شحنات على الموانئ.
ويأتي هذا الإنكار في سياق سياسة تهرب واضحة من المسؤولية، حيث تترك الميليشيا المجال مفتوحاً لشركاتها التابعة للسيطرة على السوق وتحقيق أرباح مالية، في حين يتعرض التجار المستقلون للتمييز والابتزاز.
ويرى الخبير الاقتصادي علي التويتي أن تدخل وزارة الاقتصاد الحوثية في تحديد دخول السفن وتقديم بعضها على البعض الآخر يخالف مبدأ المنافسة، ويضر بالقطاع التجاري المستقل. وأضاف التويتي في منشور له على فيسبوك أن "تدمير الموانئ وإخراجها من كفاءتها السابقة أجبر الوزارة على التفاضل بين التجار، بما يخدم مصالح محددة".
كما كشفت منصة P.T.C.O.YEMEN أن الحوثيين أنشأوا 35 شركة محلية في قطاعات متعددة، كالأدوية والمشتقات النفطية والمقاولات والتعليم، تعمل ككيانات مالية سرية تموّل الجماعة سياسياً وعسكرياً، ما يطيل أمد الصراع ويعميق مأساة اليمن الإنسانية.
>
