الإمارات وإعادة بناء الكهرباء في اليمن.. رافعة أساسية للاستقرار
السياسية - منذ 37 دقيقة
عدن، نيوزيمن:
من أعماق أزمة إنسانية واقتصادية خانقة، تسعى الإمارات العربية المتحدة لتحويل معادلة الطاقة في اليمن — من عبء يُثقل كاهل المواطنين إلى رافعة تنموية تستعيد بها الدولة البنية التحتية الحيوية، وتعيد الأمل لملايين اليمنيين المنقطعين عن الكهرباء.
هذا المسعى لا يمكن فهمه بمعزل عن الأبعاد السياسية والاستراتيجية: فالتحول نحو طاقة نظيفة ومستدامة في المدن المحررة يعني إزاحة إرث الحرب، وإضعاف أدوات الضغط التي غذت الانهيار الاقتصادي والاجتماعي، وإعادة هندسة حياة الناس — وهو ما قد ينعكس على توازنات النفوذ في الداخل اليمني وعلى مراكز القرار.
في هذا السياق، أعلنت الإمارات في نوفمبر 2025 عن تخصيص استثمار ضخم بقيمة مليار دولار لدعم وتطوير قطاع الطاقة في اليمن، في إطار مشاركتها في أول مؤتمر وطني للطاقة يُعقد في العاصمة اليمنية المؤقتة. وتأتي هذه المبادرة بعد سنوات من تدخل أبوظبي المباشر بطرق إنسانية وطاقة طارئة، لتحول إلى مشروع تنموي طويل الأمد يستهدف إعادة بناء شبكة طاقة متكاملة.
التحول الذي تقوده الإمارات يبدو أشبه بـ"خطة إنعاش" لقطاع طاقي انهار تحت وطأة الحرب والصراع، لكنه أيضاً رسالة واضحة بأن الاستقرار والتنمية ممكنان في اليمن — على نحو قد يعيد تشكيل العلاقة بين السكان والدولة، ويعيد الروابط الاجتماعية والاقتصادية في المناطق المحررة.
من انقطاع إلى إنارة
تشير البيانات إلى أن الإمارات لا تكتفي بالمساعدات الطارئة، بل دخلت بقوة في مشاريع طاقة مستدامة على الأرض. فقد دشّنت خلال 2025 عدة محطات للطاقة الشمسية في مدن مثل عدن، شبوة، المخا وغيرها، ضمن جهود لتوفير كهرباء نظيفة وتقليل اعتماد اليمن على الوقود المستورد.
من بين هذه المشاريع محطة في محافظة شبوة بقدرة 53 ميغاواط، تُغذي مئات الآلاف من المنازل، إلى جانب تخزين طاقة يساعد على توازن الشبكة خلال ساعات الذروة. وفي عدن يُعد المشروع الأكبر من نوعه في تاريخ اليمن: بعد تشغيل المرحلة الأولى، من المقرر أن يصل إنتاج الكهرباء إلى ما يُغطي نحو 687,000 منزلاً بمجرد اكتمال المرحلة الثانية عام 2026.
بحسب مسؤولي تنفيذ المشروع، فإن مبادرة الإمارات تهدف إلى تحويل الطاقة من مجرد خدمة أساسية هشّة إلى ركيزة للاستقرار والتنمية: توفير كهرباء مستقرة للمستشفيات والمدارس والمرافق الحيوية، تخفيف العبء على السكان، وخفض الاعتماد على مولدات الديزل المكلفة بيئياً واقتصادياً.

وأكد وزير الكهرباء والطاقة اليمني، مانع بن يمين،في تصريحات نقلها وسائل إعلام أن المشاريع الاستراتيجية التي تقدمها دولة الإمارات لدعم قطاع الكهرباء تُسهم في تجاوز العقبات التي تواجه خطط الحكومة لإصلاح هذا القطاع المتدهور. مشيرًا إلى أن الإعلان عن تقديم مليار دولار لدعم مشاريع حيوية يمثل نقطة تحول غير مسبوقة تدفع اليمن نحو الاعتماد على الطاقة النظيفة والمتجددة.
وأوضح الوزير أن أزمة الكهرباء في البلاد تمتد لعقود من الإهمال وقلة الاستثمار، قبل أن تتفاقم بشكل كبير مع اندلاع الحرب ضد ميليشيات الحوثي، ما أعاق قدرة الدولة على تقديم الحلول والمعالجات اللازمة.
طاقة للتعافي، ليس فقط للبقاء
في بلد يُعاني من انقطاع متكرر للكهرباء بلغ في بعض المدن أكثر من 18–20 ساعة يومياً، وتدفع الأسر ثمناً باهظاً عبر شراء مولدات خاصة أو بطاريات شمسية فردية، يمثل توفر الكهرباء خطوة جوهرية نحو استعادة الحياة اليومية. المشاريع الإماراتية في الطاقة لا تقتصر على تشغيل الأضواء، بل تفتح أبواباً واسعة لإعادة تشغيل الخدمات: المدارس تعود إلى العمل، المستشفيات تستعيد قدرتها على تقديم الرعاية، المصانع وورش الإنتاج الصغير تستأنف نشاطها، والأسواق تعود لتتحرك.
من الناحية الاقتصادية، تؤدي الكهرباء المستقرة إلى خفض تكلفة الإنتاج، تقليل الاعتماد على الوقود، وتخفيف الأعباء المنزلية. كما تخلق هذه المشاريع آلاف فرص العمل—خلال مراحل البناء والتركيب والصيانة—وتنشيط قطاعات لوجستية وتجارية مرتبطة بالطاقة، مما يعزز فرص النمو الاقتصادي المحلي ويقلل من الفقر والبطالة.
من جهة بيئية، تسهم محطات الطاقة الشمسية في خفض الاعتماد على الوقود الأحفوري وتقليل انبعاثات الكربون، ما يمهد لليمن أن يتبنى نموذج طاقة أنظف وأكثر استدامة، يتماشى مع التحولات العالمية في مجال المناخ والطاقة.
وأشار بن يمين إلى أن الحزمة الجديدة من المشاريع تشمل إنشاء محطات متكاملة للطاقة الشمسية في عدد من المحافظات الجنوبية، إضافة إلى تأسيس مصفوفة لإنتاج الكهرباء من طاقة الرياح في عدن للمرة الأولى في تاريخ البلاد، مع التركيز على الاستفادة من الموارد الطبيعية المتجددة والتخلي التدريجي عن الوقود الأحفوري الذي يستنزف خزينة الدولة. كما تضم الحزمة تأهيل وإنشاء خطوط نقل للطاقة، وتدريب الكوادر الفنية، بما يعزز البنية التحتية للكهرباء ويرفع كفاءة التشغيل، بالإضافة إلى توسعة المشاريع السابقة التي أنجزتها الإمارات خلال السنوات الماضية.
استقرار مقابل صراع
دعم الإمارات لقطاع الطاقة في المدن المحرّرة ليس مسألة إنسانية فحسب، بل جزء من استراتيجية أوسع لإعادة ترسيخ سلطة الدولة في مناطق خرجت من الحرب، وإضعاف الاعتماد على المولدات والظلام كأداة ضغط اقتصادي. فعندما تربط الخدمات الأساسية بالكهرباء، تصبح السيطرة على الكهرباء — وتوزيعها — جزءاً من إعادة بناء سيادة محلية، وربما إعادة ترتيب خرائط النفوذ.
كما أن نجاح هذه المشاريع قد يعزز موقف الحكومة اليمنية (أو ما يعتمد على المناطق المحررة) أمام العالم، ويمنحها فرصة لإعادة تشغيل المؤسسات والخدمات، ما يقلل حوافز النزاع ويزيد من قدرات الدولة على التعافي الاقتصادي.
من جهة استراتيجية إقليمية، تأتي استثمارات الإمارات في اليمن ضمن سياق اهتمام خليجي ودولي بدعم الاستقرار في بحر العرب والبحر الأحمر، ومنع انهيار الدولة اليمنية إلى ما قد يضر بأمن الملاحة والنفط والطاقة في المنطقة.
وأكد وزير الكهرباء أن العام المقبل سيشهد بدء التنفيذ الفعلي لهذه الخطط الاستراتيجية، بما يهدف إلى تحقيق نقلة نوعية في مستوى خدمات الكهرباء ووضع حد لمعاناة المواطنين المستمرة، مشيرًا إلى أن المشاريع التي تمولها الإمارات وضعت بذرة الأمل في مستقبل القطاع، وجعلت التحول نحو الطاقة المتجددة أمرًا ممكنًا بعد أن كان العبء المالي للوقود التقليدي ثقيلاً على الحكومة في ظل شح الموارد المالية.
وشدد بن يمين على أن الدعم الإماراتي لا يقتصر على قطاع الطاقة فقط، بل يمتد ليشمل مختلف القطاعات الخدمية والتنموية، ما يعكس حضور الإمارات المستمر إلى جانب الشعب اليمني، وأن الحلول الاستراتيجية والمستدامة المزمع تنفيذها تنعكس بشكل مباشر على تحسين جودة الحياة وتخفيف الأزمة الإنسانية نظرًا لارتباط الكهرباء بالمجالات الأخرى مثل إمدادات المياه والمراكز الصحية والمنشآت التعليمية والأنشطة الإنتاجية.
التحديات والعوائق
رغم الأمل الكبير، لا تخلوا هذه المبادرة من تحديات حقيقية: أولها الفساد وضعف الحوكمة — في بلد مزقته الحرب وتدهورت مؤسساته، قد تواجه المشاريع صعوبات في ضمان أن الطاقة تصل فعلياً للمواطنين، وليس إلى نخب أو جهات مسيطرة. ثانياً: الأمن والاستقرار — إذا تجدد الصراع أو تعرضت البنية التحتية لهجمات، قد تضيع هذه الاستثمارات. ثالثاً: البعد المؤسسي — يتطلب الحفاظ على طاقة مستدامة وجود مؤسسات قادرة على الصيانة والإدارة، وخطة طويلة الأمد.
كما أن التكلفة الاقتصادية والمسؤولية عن التمويل — حتى لو وفرتها الإمارات — تخلق عبئاً على الدولة في المدى الطويل، خاصة إذا تعثر تنفيذ المشاريع أو تراجع الدعم.
ما تفعله الإمارات اليوم في اليمن ليس مجرد تضامن إنساني؛ إنه استثمار في استقرار محتمل، إعادة بناء دولة متهالكة، وفتح باب جديد للتنمية. إذا نجحت هذه المحفظة الاستثمارية في تحسين الكهرباء وتوسيع نطاقها، فقد تشهد اليمن تحولاً حقيقياً في البنية التحتية، الاقتصاد، والحياة اليومية للمواطنين.
ولكن ذلك يتطلب من الحكومة اليمنية والقوى السياسية المحلية أن تنخرط بصدق في إدارة هذه المشاريع، وتوفير بيئة مستقرة وآمنة، وضمان حوكمة شفافة لاستثمارات الطاقة.
في بلد حكمه الظلام لعقود، قد تكون استثمارات الطاقة التي بدأت الآن — إذا أُديرت بعقلانية — بداية لإعادة بناء الضوء ليس فقط في المصابيح، بل في مستقبل اليمن كدولة ومجتمع.
>
