تصفية المليشيا لصندوق الخدمة المدنية.. مذابح جماعية وتدمير ممنهج

متفرقات - Friday 17 August 2018 الساعة 05:22 pm
صنعاء، نيوزيمن، تقرير خاص:

أراحت مليشيا الحوثي الانقلابية نفسها من التزامات صرف مرتبات واستحقاقات الموظفين الفائضين والمتقاعدين المدرجين على كشوف الصناديق الخاصة، والتزامات تحصيل موارد هذه الصناديق لتحقيق الأهداف التي أنشئت من أجلها، وذلك بالبدء بإلغاء وتصفية بعض هذه الصناديق، بداية بصندوق الخدمة المدنية، الذي تم إنشاؤه بقرار جمهوري، بغية استيعاب كافة الموظفين الفائضين لدى الأجهزة الإدارية في عموم مؤسسات الدولة، وصرف مرتباتهم خلال فترة بقائهم في الصندوق، وقبيل معالجة أوضاعهم فيما بعد إما بالإحالة إلى التقاعد المبكر، أو التعويض العادل، بحسب مواد القانون رقم (1) لسنة 2004م، بشأن إنشاء صندوق الخدمة المدنية.

استحواذ مبكّر على موارد الصندوق

وبدأت مليشيا الحوثي تدمير صندوق الخدمة المدنية، منذ إكمال سيطرتها على السلطة، عام 2014م، بتجفيف موارده المحددة قانونياً من اعتمادات الموازنات العامة للدولة والمبالغ المخصصة لبرامج الإصلاح الإداري، ومخصصات الباب الأول أجور ومرتبات الأجهزة الإدارية، وإيقاف القروض والإعانات المحولة للصندوق من الهيئات والمنظمات الدولية وبرامج الأمم المتحدة والمبرمة بشأنها بروتوكولات واتفاقيات خاصة بذلك، وذلك تمهيداً لتعطيل مهامه، ومن ثم تصفيته باعتباره بات عبئاً على الحكومة.

وكشفت مصادر رسمية اعتزام حكومة المليشيا الانقلابية في صنعاء تصفية أوضاع صندوق الخدمة المدنية، إثر مزاعم انتهاء مهامه وتوقف أنشطته.

وقال موظفون في وزارة الخدمة المدنية، إن القياديين في مليشيا الحوثي عبدالله حسين المؤيد (المعين نائباً لوزير الخدمة) ويحيى المحاقري (المعين وكيلاً للوزارة)، يسعيان لتصفية الصندوق المخصصة نفقاته للموظفين الفائضين وأسرهم قبيل إحالتهم إلى التقاعد، وذلك تحت ذرائع "معالجة الاختلالات التي تشوب الجهاز الإداري الحكومي".

استفادة (906) موظفين من تعويضات 2014م

وإلى ما قبل سيطرة المليشيا على سلطة القرار الحكومي والإداري في صنعاء، كان صندوق الخدمة المدنية يؤدي وظائفه التي أنشئ من أجلها وفقًا لقوانين الخدمة المدنية، وقانون إنشاء الصندوق، فحتى يناير من العام 2014م، على سبيل المثال، أعلن مسئولو الصندوق حينها صرفهم لمبلغ (260) مليوناً و(839) ألف ريال، لعدد (906) موظفين من مختلف محافظات الجمهورية، تم معالجة أوضاعهم بالتعويض المالي.

وأوضح مسئولو الصندوق، حينها، أن فوارق التعويضات المالية التي تم صرفها للموظفين الفائضين تم احتسابها بموجب العلاوات السنوية المستحقة للموظفين، وأن التعويضات المالية ستشمل جميع الموظفين المستفيدين على شكل دفع متتالية، من الدفعة من الأولى وحتى الحادية عشرة، وجاءت عملية صرف التعويضات المالية في إطار جهود الحكومة حينها الرامية إلى الحفاظ على استحقاقات الموظفين الفائضين، وهي العملية التي قوبلت بارتياح كبير في أوساط الموظفين المستفيدين.

استهداف سياسي ومذابح جماعية

ويرى المحامي القانوني، عبدالرحمن قائد، أن أي عملية تصفية لأي من مؤسسات الدولة وهياكلها الإدارية في ظل الحروب والأزمات، والانقسام الحاصل في البلد، ستعد عملية استهداف سياسي غير قانونية، ومصادرة لحقوق المستفيدين من هذه المؤسسات والصناديق، موضحاً أن المادة (27) من قانون إنشاء الصندوق تنص صراحة على استمرار الصندوق في عمله حتى تتم تسوية أوضاع الموظفين الفائضين في مختلف محافظات الجمهورية، وأن ما يجري الآن من تنزيل لموظفين وإحلال آخرين من فئة معينة، وتصفية صناديق خاصة، هي مذابح جماعية وانتهاكات حقوقية جسيمة بحق مئات آلاف الموظفين وأسرهم، معتبراً أن الانقسام الحاصل في البلد وتشتت موظفي الدولة وحرمانهم من مرتباتهم للعام الثاني على التوالي، وتوقف ومصادرة موارد مثل هذه الصناديق، أوضاع استثنائية وغير طبيعية ولا يصح قانوناً في ظل هذه الأوضاع الحديث عن معالجات للهيكل الإداري أو تصحيح كشف الراتب، بما في ذلك عمليات برنامج الإصلاح المالي والإداري التي كانت قد قطعت شوطاً كبيراً في ظل أوضاع طبيعية واستقرار سياسي وأمني.

عدم إيداع أموال الصندوق في البنك المركزي

ومن رؤية قانونية بحتة لعملية تصفية الصندوق، يرى المحامي قائد، أن قانون إنشاء صندوق الخدمة المدنية، اعتبر في مادته الـ(28) أموال الصندوق أموالاً عامة، تودع في حساب جارٍ لدى البنك المركزي، وتخضع أمواله للفحص والمراجعة من قبل الجهات المختصة، وأن القانون يشدد على إدارة كافة الأعمال المحاسبية للصندوق بموجب الأنظمة المالية والمحاسبية المعمول بها دولياً، معتبراً عدم إيداع أموال الصندوق في البنك المركزي جريمة نهب أموال عامة، توجب محاكمة القائمين المتسببين في تجفيف خزينة الصندوق وتعطيل وظائفه.

عبث ممنهج بكشوف موظفي الدولة

وكانت حكومة المليشيا الانقلابية تعهدت لمجلس النواب الواقع تحت سلطتها بمعالجة "حالات الإحالة للتقاعد لمن بلغ أحد الأجلين من الموظفين، ودراسة كافة جوانبها بما يتلاءم والظروف الراهنة التي أفرزها ما وصفته بـ"العدوان" وما تتطلبه المصلحة الوطنية العليا"، تاركة بذلك الباب مفتوحاً للعبث بكشوف الجهاز الإداري لموظفي الدولة والمتقاعدين في كافة مؤسسات وقطاعات الدولة.

كما تعهدت قبيل منحها ثقة البرلمان، بـ"الوقف النهائي للتوظيف الجديد والتوظيف بالبدل عن متقاعدين أو مفصولين أو منقطعين تحت أي مبرر".. غير أن مليشيا الحوثي تجري عمليات تنزيل وإقصاء جماعي لآلاف الموظفين، وإحلال عناصرها بديلاً عنهم في أهم مفاصل الهيكل الإداري الوظيفي لمؤسسات الدولة، وتنشئ هياكل إدارية موازية لعناصرها، ضاربة بقوانين الوظيفة العامة وحقوق الإنسان وكافة الأنظمة واللوائح، ومبادئ دستور الجمهورية اليمنية، عرض الحائط.