العام الدراسي الجديد في زمن الحوثي

متفرقات - Tuesday 18 September 2018 الساعة 06:01 pm
صنعاء، نيوزيمن، فارس جميل:

"أفكر وبمرارة كبيرة إيقاف أولادي عن الدراسة لهذا العام، نظراً لعدم قدرتي على توفير مستلزمات العام الدراسي الجديد، هذا وحسبنا الله ونعم الوكيل"، هكذا كتب الصحفي المعروف محمد شمسان على حائطه الفيسبوكي، بعد منشور سابق قال فيه "من أين لنا أن نأتي برسوم ومستلزمات تعليم أطفالنا لهذا العام يا تجار الحروب، إننا بعد أربع سنوات حرب نعجز عن توفير أبسط احتياجاتنا اليومية، فكيف لنا أن نتدبر احتياجات أطفالنا الصحية والتعليمية والخدمية الأخرى.. حسبنا الله ونعم الوكيل".

لم يكن محمد شمسان وحده من اشتكى الوضع الاقتصادي للمواطن اليمني الذي تضيف إليه مستلزمات المدرسة عبئا إضافياً وثقيلاً على كاهل موظف لم يستلم راتبه للعام الثالث على التوالي، فالموظف السابق بمكتب رئاسة الجمهورية عبدالله عبدالإله نشر أيضاً "هل رأيتم مثلي دموع أب عجز عن تجهيز أبنائه للعام الدراسي فأقعدهم في المنزل المهدد بالطرد منه، هل رأيتم حزنهم ودموعهم،، أعلن حزني".

مع هذا الوضع الإنساني غير المسبوق في اليمن، وخاصة في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، فقد وفر بعض الآباء مستلزمات دراسة أطفالهم على حساب نفقاتهم المنزلية المتواضعة، في ظل ارتفاع غير مسبوق أيضا لأسعار الدفاتر والأقلام، والزي المدرسي، لكن هؤلاء التلاميذ الصغار عادوا من مدارسهم إلى منازلهم كما ذهبوا إليها، دون حصص مدرسية ولا كتاب مدرسي، بل بتوصيات لأولياء أمورهم بتوفير الدعم المالي للمدارس لصرف بدل مواصلات للمعلمين الذين لم يستطيعوا الذهاب إلى مدارسهم لأن رواتبهم الشحيحة مقطوعة أساساً، ولهم بدورهم أطفال يريدون إعالتهم وتوفير مستلزمات مدارسهم.

حرص الحوثيون على القشور وما يفيد جماعتهم في التربية والتعليم، فقد قاموا مؤخراً بتغيير من تبقى من مدراء المدارس غير المنتمين للجماعة، واستبدلوهم بأتباعهم، وأصدروا قرارا بتغيير توزيع مدارس البنات والأولاد منعا للاختلاط حسب تبرير بعضهم، رغم أن أغلب سكان صنعاء من المستأجرين الذين يستأجرون مساكنهم بناء على قربها أو بعدها من مدارس أطفالهم، وهذه كارثة أخرى على أولياء الأمور.

كثير من قيادات الحوثيين في التربية لديهم مدارس أهلية يستثمرونها، ومن مصلحتهم إفساد التعليم العام، لإنعاش سوق التعليم الأهلي، وأولهم فؤاد الشامي وكيل الوزارة ومشرف الحوثيين السابق فيها، وكثيرون غيره، ولهذا لا يبذلون أية جهود لتذليل الصعوبات التي تواجه عملية التعليم في اليمن، بل يكرسونها أكثر.

وبينما لا يحصل الطلاب على المنهج المدرسي لتوقف طابعته إلا بأعداد ومواصفات خاصة تخدم الجماعة، مثل طباعة المناهج التي تم تغيير محتواها، وطباعة مناهج إضافية لا صلة لها بالمنهج المدرسي المعروف، بل تحتوي مضمونا يمجد الجماعة وقياداتها، وتم توزيع هذا المنهج على مشرفي الجماعة لاستخدامها في حلقات خاصة خارج المدارس صيفا، بينما ينتظر أن تكون من مفردات التعليم العام خلال هذا العام، عبر المعلمين الذين تم توظيفهم بدلا عن معلمين سابقين عجزوا عن الاستمرار بالتدريس بعد توقيف المرتبات فتم استبدالهم بحوثيين متطوعين نظريا، لكنهم يحصلون على مكافآت حسب ولائهم للجماعة، ليقوموا بالترويج لها أمام الطلاب.

بعد رفض منظمة اليونيسف تمويل طباعة المنهج المدرسي كما كان مقررا، بسبب إدخال الحوثيين تعديلات عليها، ورفض الشرعية لها، قام الحوثيون ضمن آلة الدعاية الجبارة التي تملأ شوارع المدن وجدران القرى بصور وشعارات الجماعة وأفكارها، بطباعة ما يريدون من تلك الكتب، ولا أحد يجرؤ على الاعتراض.

ومع أول يوم دراسي في المدارس والجامعات، شهدت صنعاء طوابير طويلة أمام الجامعة ومدراس الثانوية لعدم توفر وسائل المواصلات، بعد توقف أغلب الباصات عن العمل نتيجة اختفاء البترول والديزل من المحطات، ورفع من تبقى منهم بالعمل لسعر النقل لأنهم يشترون الوقود من السوق السوداء.

في آخر خطاب لصالح قبل خلافات أغسطس 2017 بين حزب المؤتمر والحوثيين أعلن صراحة رفضه وحزبه لتعديل المناهج الدراسية، وبعدها لم يرتفع صوت أحد برفضها، خوفا أو إهمالا، فحتى الآن لم يتم تصحيح امتحانات الشهادة العامة وإعلان نتائجها، لأن الحوثيين يريدون إجبار المعلمين على التصحيح دون حقوق مالية لهم مقابل جهودهم، خاصة وهم بدون مرتبات منذ 2016.

وكان آخر نشاط مدني نقابي نفذته نقابة المهن التعليمية والتربوية هو إعلان الإضراب الشامل لجميع المعلمين حتى تلتزم حكومة الحوثيين بصنعاء بدفع رواتبهم، وعندما تفرد الحوثيون بالسلطة لم يعد أحد يجرؤ على ممارسة العمل المدني بأي شكل للمطالبة بحقوقه، ولهذا بلغت ممارسات الحوثيين حدا غير مسبوق في تلويث أفكار الجيل الجديد، وتعطيل المؤسسات العامة، وستستمر حتى يتم وضع حد نهائي لقوتها وسطوتها وإرهابها للمواطن اليمني.