لواء العروبة مقاتلاً في صعدة.. يمن آخر لا تراه الشرعية وفرقاء المهالك

الجبهات - Tuesday 18 December 2018 الساعة 10:28 am
صنعاء، نيوزيمن، فارس جميل:

ترك رجل الأعمال الشاب أعماله وتجارته ومقاولاته وذهب لتلبية نداء وطن لم يعد أحد يعبأ به، ولا يتعب لأجله، وهو لا يحتاج لأموال الشرعية والتحالف على المستوى الشخصي، وقد قال ذلك في تسجيل الفيديو، وأقسم العميد عبدالكريم السدعي وهو يرفع المصحف على صدق أقواله تلك.

حتى والده السبعيني غادر قريته ومنزله في وصاب بعد مضايقات الحوثيين له، وابتزازه بشكل لم يستطع الاستمرار معه في قريته التي نشأ وعاش فيها وأقام مشاريعه التجارية على أرضها، وخدمها بما يملك.

أخفى السدعي صمته بين فقرة وأخرى أكثر مما قاله ربما، فقد ظهر التوتر الكبير على ملامحه حين يصمت أكثر مما ظهر حين تحدث، عبر عن بطولته كقائد عسكري، وعن ضعفه كإنسان، وعن وطنيته كيمني أولاً وأخيراً، وخلال دقائق سجلها لمتابعيه على تويتر وفيسبوك بدا الرجل متحدثاً عن قطاع كبير في إطار جيش الشرعية بلا لسان ولا صوت.

وصل بجنوده إلى مشارف منطقة مران معقل عبدالملك الحوثي وجماعته، وخاض معهم على مدار سنوات معارك قوية، وقدم بطولات غير مروية ولم تظهر لأحد حتى الآن، إلا كنتائج سيطرة جغرافية في بعض نشرات الأخبار التلفزيونية، فهو لا يمثل طرفاً سياسياً يقوم بتلميعه إعلامياً، كما يحدث عادة في أي انتصار صغير أو بدونه للكثير من السياسيين والعسكريين.

هؤلاء الأفراد من جيش الجمهورية اليمنية يقاتلون بشرف وبطولة وحماسة وطنية قل نظيرها، لكن هادي وحكومته منذ عامين لم يصرفوا لهم مرتباتهم إلا مرتين تقريباً، كما قال السدعي، ومع هذا قال إنه سيقاتل بهم ومعهم عشرين عاماً دون انتظار مرتبات، لأنه يؤمن بقضيته ولا ينتظر ثمناً من أحد.

خاطب السدعي الوزير عبدالعزيز جباري وذكره بأنه بكى أمامه ذات يوم وهو يطلب منه صرف مرتبات أفراد لواء العروبة لا أكثر، فهو يريد الحفاظ على معنوياتهم كمقاتلين لا تشغلهم وجبات أطفالهم ولا علاجهم عن معركتهم، وبكى أمام جباري لأنه يرى حاجاتهم غير موفرة بما يليق بتضحياتهم، وليس لضعف أو انكسار فهو أقوى مما يراه البعض، حيث إن القوي أمام نفسه لا يضعف أمام سواه، لكن الشرعية، كما يبدو، لا تريد هذه المعنويات أن تبقى كثيراً، أو أنها على الأقل لم تثبت حرصها على استمرارها، رغم أن السدعي بعد كل انتصار يظهر مشيداً بهادي كرئيس و(ولي أمر) مجدداً الولاء والطاعة له.

لماذا تمارس الشرعية هذه التصرفات مع جيشها يا ترى؟
لماذا لا يتم صرف حقوق الجنود وهم يقاتلون في الميدان ويحققون نتائجَ ملموسة للجميع؟
لماذا يتركون الفاسد لفساده، ويعملون على إفساد من لم يتورط في فسادهم؟
لصالح من يعمل هؤلاء؟

لم يكن موضوع الفيديو الذي نشره السدعي متعلقاً مباشرة بحقوق جنود لواء العروبة، بل جاءت في سياق مطالبته بعدم الحوار مع جماعة لا تؤمن بالسلام، وارتكبت من الجرائم ونقض العهود ما يجعل السلام معها فخاً كبيراً لا يجب السقوط فيه.

توعد جماعة الحوثيين بالويل، وطالب فرقاء الشرعية وجميع مناهضي الحوثيين بالتوحد أمامهم وإخلاص الجهود لقتالهم، مؤكداً ضعفهم لولا تشتت الشرعية وأخطائها.

تحدث عن صعدة والحديدة وصنعاء، وأنه سيحاربهم في كل منطقة حتى استعادة الدولة منهم، مطالباً أفراد لواء العروبة بالاستمرار لتحقيق هذا الهدف حتى لو استشهد قائدهم، وعبر عن ثقته بهم، وبما يمكنهم عمله.

خيبة السدعي وغضبه وألمه لذهاب السياسيين لتوقيع اتفاق مع جماعة لا تؤمن بالسلام، عكست حجم تضحيات الجيش، وغياب جهوده وتضحياته على الأرض عن المواطنين المتابعين لتطورات الوضع عبر وسائل الإعلام والتواصل، لأن إعلام الشرعية متفرغ لتلميع أصحاب ربطات العنق والبدلات الأنيقة وسفرياتهم باسم اليمن في عواصم العالم، وفي نفس الوقت فشلهم في تحقيق أي انتصار سياسي على الجماعة.

يمثل عبدالكريم السدعي اختزالاً للشخصية الوصابية المثابرة والمخلصة والنقية، فهو كأغلب أبناء وصاب مناضل بذاته ونفسه وجهده وماله، ولا يعتمد على الحكومة بقدر اعتماده على نفسه، ومؤمن بقضية وطنية عليا دعته لأداء واجبه، دون الدخول في صفقات السياسيين والعسكريين الآخرين.

يقف الرجل اليوم غريباً بين مجموعة من الانتهازيين وأصحاب المصالح يمثلون الشرعية وجيشها، ولن تصل رسالته للشرعية، لكنها وصلت إلى كثير من المواطنين.. والعسكريون يعرفون غدر الحوثيين أكثر من السياسيين، لأن كلفتها عليهم وفيهم ومنهم.

كل ذلك يستدعي إلى الذاكرة قصيدة الراحل الكبير عبدالله البردوني جواب العصور التي اختزل فيها شخصية اليمني عبر العصور، في شخصية زيد الوصابي بطل القصيدة، الذي كلما تاهت به الدروب وطالت به المعاناة وجد حلاً جديداً، ومخرجاً مبتكراً.

استهلها بـسؤال:

ما الذي تبتاع يا زيد الوصابي
هل هنا سوق سوى هذا المرابي؟
واختتمها بـجواب:
جبتُ عصراً بعد عصر، وأنا
أنت، ما زلت أنا، ذاك الوصابي.