مقابر الحوثي.. تزيين الموت لديمومة السلطة

الجبهات - Saturday 26 January 2019 الساعة 07:43 am
صنعاء، نيوزيمن:

على قدر اتساع أحجام المقابر تقيم جماعة الحوثي، الذراع الإيرانية في اليمن، دعائم سلطتها في مناطق سيطرتها، وعلى قدر موتك تكن درجة ولائك وإخلاصك واستقامتك، ليس في الدنيا فحسب وإنما في الآخرة أيضا، لقد قُتلت هنا دفاعا عن "الدين" وليس فقط دفاعا عن الوطن، اندفعت للموت دفاعا عن خرافة الولاية.. أنت إذاً محظوظ بذكرى سنوية، ومطبوعة ورقية، ومقبرة مرتّبة.. هكذا تسوّق مليشيا الحوثي الانقلابية خطابها التعبوي في ذكرى ما تسميه "أسبوع الشهيد".

حتى من وصفهم قائد الجماعة، عبدالملك الحوثي، بالمحايدين، يزعم الحوثي أنهم لن ينجوا من "عذاب الآخرة" نظير تخلّفهم عن الموت في معركة الاستفراد بالسلطة والتغلب على خصوم الصراع السياسي، الذي يذهب الحوثي أبعد من ذلك، بتصويره لهذا الصراع السياسي، صراعاً أزلياً بين الحق والباطل، بين الخير والشر.

استحضار سياسي لأحداث تاريخية في ظروف مختلفة، وإسقاط فج لمعاني وتفسيرات آيات قرآنية وأحاديث نبوية، وكما لو أن بقاء مليشيا الحوثي مستفردة بالسلطة هو محور ارتكاز دوران الأرض، فلا توجد منطقة وسطى بين الحق والباطل..!

إفلاس سياسي وتناقضات صارخة

كجماعة دينية تكشف مليشيا الحوثي كل يوم افتقارها لمشروع سياسي قابل لاحتواء اليمنيين جميعهم لا أكثر، فلا تجد غير استغلال الدين والخطاب الديني مستقوية به لإغواء تابعيها، ومع ذلك تقع في تناقضات صارخة مع نفسها، فهي على سبيل المثال تزعم أن قتلاها قضوا "شهداء" ضد قوى ما تسميه الطغيان والاستكبار والشر ممثلة بأمريكا وإسرائيل، وفي ذات الوقت تبرم الاتفاقيات والصفقات مع هذه القوى وأدواتها على طاولات المفاوضات وفي الغرف المغلقة..!

زيارة المقابر، تعميم حوثي أوجب على كل مسئول في سلطة المليشيا فعل ذلك بمن فيهم الوزراء والمحافظون، يزور القيادي الحوثي، طه المتوكل، وزير الصحة في حكومة مليشيا الحوثي، مقبرة لقتلى معارك جماعته السلطوية، فيرى المقبرة واسعة وحجم الضحايا مهولاً، وبدلاً من دعوة جماعته حتى لمراجعة خططها العسكرية، وبما يحافظ على أرواح مقاتليها، يقلل القيادي الحوثي من حجم الضحايا ويسترخص دماءهم زاعماً "أن تضحيات الشهداء جنبت الشعب اليمني الكثير من المآسي التي كانت ستحدث لو تمكن الاحتلال من السيطرة عليه". ويعتقد أن التضحيات هنا "في سبيل رفعة وعزة اليمن واستقلاله وسيادته"، اليمن الموضوع تحت الفصل السابع في دهاليز مجلس الأمن الدولى..!

نافورة لإمتاع الموتى في المقبرة

وفي صورة أكثر وضوحاً لعمق المأزق الحوثي، تضبط المليشيا متلبسة علناً بسرقة المساعدات الإغاثية والأدوية، والاتجار بها، في ظل ارتفاع معدلات الفقر والمجاعة وانتشار الأمراض والأوبئة، ومع ذلك لا تجد قيادات مليشيا الجماعة في المستشفى الجمهوري بمحافظة حجة، حرجاً عند زيارتها لواحدة من مقابر ضحايا معاركها، أن تعلن تقديم هدية للمقبرة "تشمل مشروع بناء نافورة متكاملة ومظلات ومقاعد جلوس لزوار المقبرة على نفقة المستشفى"..!!

تعاقب المليشيا الحوثية اليمنيين، تفجر منازلهم، تنهب ممتلكاتهم، تصادر مرتباتهم، تقتل أطفالهم وتخطف نساءهم، ومع ذلك لا تخجل عند زيارتها للمقابر من دعوة اليمنيين، لاستذكار ما تسميها الروح الجهادية لقتلاها حينما "قاتلوا بها في سبيل عزة وكرامة اليمن"..!

اتساع حجم مقابر مليشيا الحوثي، وتزايد معارض صور القتلى هذا العام أثار انتباه القيادي في الجماعة، محمد المقالح، والذي غرّد على" تويتر" معتقداً أن القائد العسكري الذي يعتمد على الغيبيات كلياً لا تجده يبذل جهداً في رسم الخطط ولا في تحقيق الأهداف، مضيفا في انتقاد ضمني لجماعته "أنه ينتظر مقعياً حتى يستشهد أكبر عدد من جنده ليأتيه النصر من عند الله".

وفي السياق من ذلك يصرخ خطيب حوثي، معتبراً "الشهادة في سبيل الله، اختيارٌ إلهي، واصطفاءٌ رباني، وتوفيق للشهيد الذي نالها، فكم يخرج من المؤمنين للجهاد في سبيل الله، في مختلف الجبهات، ولكن يختار الله القليل منهم شهداء"، فيهمس أحد المصلين متمتماً: "نسأل الله أن يختار جميع قياداتكم ويصطفيهم للشهادة، كي يخلص الشعب من مصائبهم وشرورهم".