دور ثوار الساحل التهامي في 26 سبتمبر(4): إبراهيم صادق

المخا تهامة - Monday 23 September 2019 الساعة 10:15 pm
نيوزيمن، كتب/ أ.د عبدالودود مقشر:

انتمى إبراهيم صادق لحركة المعارضة اليمنية منذ صباه بفعل ثوريته الدائمة والمستمرة حتى وفاته، فقد تم اختياره ضمن بعثة الأربعين من كافة أنحاء اليمن في 1366هـ / 1947م، وكان ثالث ثلاثة من تهامة من مدينة الحديدة والتي كانت تتكون من الآتي: الدكتور حسن مكي، الشاعر والاديب إبراهيم صادق اللواء محمد الأهنومي، وتحدد السفر للثلاثة، وانطلقت البعثة إلى تعز ثم عدن ثم ركبت باخرة إلى مصر ومنها إلى لبنان للدراسة بمدارس المقاصد الخيرية الإسلامية، وعند وصولهم إلى صيدا تعين مشرفاً من الجانب المدرسة عليهم وهو المفكر القومي الشيخ جميل بيهم، وقسمت بعثة الأربعين إلى قسمين:

قسم يدرس في صيدا، وفيها محمد الهنومي.

قسم يدرس في طرابلس، وفيها إبراهيم صادق وحسن مكي.

قال حسن مكي في مذكراته عن ذلك: (افترقنا نحن الثلاثة الذين جرى اختيارنا من الحديدة، لأول مرة منذ أن التحقنا بالبعثة عند مقدمها من صنعاء إلى الحديدة، فكنت أنا وإبراهيم صادق ممن ذهبوا إلى طرابلس في حين ظل الأهنومي ضمن مجموعة صيدا، وكان الفراق مؤثراً وصعباً، فنحن ببعدنا عن أسرنا كنا نشعر بارتباط قوي فيما بيننا، على نحو يجنبنا مشقات الغربة والابتعاد عن الأهل، انتظمنا في الدراسة في لبنات لمدة عام).

> دور ثوار الساحل التهامي في 26 سبتمبر: علي عبدالعزيز نصر

دور ثوار الساحل التهامي في 26 سبتمبر : يوسف الشحاري
دور ثوار الساحل التهامي في 26 سبتمبر: محمد الأهنومي

في سنة 1367هـ / 1948م انتقلت مجموعة صيدا لمصر وظلت مجموعة طرابلس حتى سنة 1368هـ / 1949م، ثم انتقلت إلى مصر واستقرت في حلوان، 28 شارع رُستم باشا، تجمع الطلاب في حلوان بعيداً عن القاهرة وعدها اليمنيون معقلهم ومركز تجمعهم، انتمى إبراهيم صادق كما ذكر صديقه الأكاديمي المصري أحمد القصير إلى اليسار إلى الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني التي اشتهرت باسم "حدتو" الذي يتشكل من الحروف الأولى للاسم الأصلي للمنظمة، فقد لعبت حدتو دوراً مهماً في تكوين الكوادر العربية ومنهم الكوادر اليمنية، وبرز دور الطلاب اليمنيين الوطني من خلال نشاطهم الوطني السياسي في إطار المؤتمر العام للطلاب اليمنيين بالقاهرة الذي تأسس في عام 1375هـ / 1956م والذي شكل لجنة تنفيذية دائمة لمتابعة قراراته وشارك الطلاب اليمنيون المنضمون لحدتو في النشاط الطلابي النقابي من خلال رابطة الطلاب اليمنيين وقد تبلور الوعي السياسي والنقابي في آن واحد، فرفع الطلاب الشيوعيون اليمنيون وعلى رأسهم إبراهيم صادق وطاهر أحمد رجب وأخوه عبدالله ومحمد عمر صبري شعار "من أجل يمن ديمقراطي موحد"، وهو ما أكده صديقهم حسين الحبيشي في مذكراته فقال: (أما الطلبة التقدميون أو الماركسيون فقد سعوا حثيثاً لتشكيل رابطة للطلبة ومن أفضلهم إبراهيم صادق وعبده عثمان وخالد منصور وأحمد الشجني وأبوبكر السقاف وعبدالله شهاب وعمر الجاوي ومحمد عبدالولي، وكان من أفضل خيرات الرابطة الطلابية هو الدعوة إلى الوحدة اليمنية شمالاً وجنوباً وشرقاً، وسارت الأمور على ما يرام حتى وجدت حركة القوميين بالقاهرة وكانت قد ظهرت لها نواة باليمن....لكن التقدميين اليساريين سفّهوا آراء القوميين الذين يساندهم البعثيون نكاية باليسار، فاصطدم الجميع وكان من نتائجه صدام طنطا الشهير، ووجدتها السلطات اليمنية فرصة لتوزيع الطلبة بعد أن تسلمت التقارير من المخابرات المصرية التي تعصبت مع القوميين والبعثيين ضد الماركسيين الذين رحّلوا أو رحلوا أنفسهم إلى اليمن) ثم إن (إبراهيم صادق سافر إلى أقصى اليسار فعاد مثخناً بالجراح ورحل)، رحل أو رُحل إلى عدن، لكنه وصل إلى جدة، فطغت ثوريته عليه، ففي (أثناء رحلته إلى عدن اضطره المرض إلى البقاء في جدة، فآواه يمني كريم، ولكن السلطات السعودية والرجعيون اليمنيون لاحقوه وقبضوا عليه وعلى من آواه وأرسلوهما مخفورين إلى ساحة العرضي بتعز)، حسبما ذكرت جريدة اليقظة، السنة الثالثة، العدد 75، يوم السبت 9 رمضان 1377هـ/ 29 مارس 1958م، استمر أصدقاء إبراهيم صادق يطالبون بإطلاقه حتى أطلق.

لم يكن إبراهيم صادق مجرد شاعر مجدد، وإنما أسهم بمواقفه السياسية وشعره في تطوير الحركة الوطنية اليمنية، فمن جانب اشترك إبراهيم صادق في بداية خمسينات العشرين في نشاط سياسي أدى إلى انتقال الحركة الوطنية اليمنية إلى مرحلة نوعية جديدة باتجاه اليسار، ومن جانب آخر قام بالدور الرائد في تطوير الشعر اليمني الحديث، وكان لهذا الشعر دور أساسي في صياغة ثقافة اليمن الحديث.. وهي ثقافة دعت إلى التحرر والمساواة وإحداث تغييرات جذرية في المجتمع وتخليصه من التخلف وحياة القرون الوسطى... فشعر إبراهيم صادق عبر عن جرأة وشجاعة فائقة في مواجهة بطش الإمامة وشهرتها في قطع الرقاب، بل إن (قصائده كانت من النوع الصارخ الذي تتجنب وسائل النشر تناوله) كما ذكر المقالح، ففي عام 1371هـ / 1952م ألقى قصيدة تنتقد الإمامة وهددها بالزوال وجرى ذلك في احتفال بدار بعثة الطلاب اليمنيين بشارع رستم بمدينة حلوان بضواحي القاهرة حضره الشخص الثاني في نظام الإمامة آنذاك وهو الأمير الحسن شقيق الإمام أحمد بن يحيى حميد الدين وأعلن إبراهيم صادق في قصيدته "اليمن ماضيها ومستقبلها" بشجاعة نادرة وفي تحد أنه سيتم تدمير أسرة الإمام التي قادت البلاد إلى التخلف والقبور قائلاً:

انّـا سنبني موطناً ذا عزة
يهوى الحياة وبالحياة مبشرا
والموت منا للأولى لم يفهموا
أن البلاد تريد أن تتحررا
سندمر البيت الذي قادنا
ستين عاماً للقبور وللورا
وسيشهد الشهداء انّـا أمة
قامت لتأخذ حقها ولتثأرا

من قصائده النادرة التي حصل عليها الكاتب منشورتين في الجرائد العدنية قصيدة "مظلوم" وقصيدة "لن نموت" وهما من بواكير أشعاره السياسية التي عبرت عن شخصية إبراهيم صادق الثورية، وحدد فيها صمود الشعب اليمني المتمثل في شخصه ضد الظلم والاستبداد.

مــظلــوم..! (نشرت بجريدة القلم العدني، السنة الأولى، العدد 46، يوم الأربعاء 21 ذو القعدة 1373هـ / 21 يوليو 1954م.)

كيف أرضى بجمال ليس لي!!
أو أرى الدنيا بعين الأمل ! ! !
وأنـاس فـي سنيـن الـعســل!
وأنــا أشـرب كــأس الـحنـظل

فاعطني أيها العقل صوابك.

لأرى الـدنيـا بـعيــن الـحـالـم
بــــصبـــــاح وســـلام دائــم
وكــفـــاح مسـتمــر عــــارم
حيـث أودي بنـظـام ظــالـــم

وسترضي أيها الجسم شبابك.

القصيدة الثانية: لن نموت (نشرت بجريدة القلم العدني، السنة الأولى، العدد 48، يوم الأربعاء، 5 ذو الحجة 1373هـ / 4 أغسطس 1954م).

... وسنستمر

وسنقهر الموت المخيف

وسننتصر

لربيعنا ضد الخريف

سنصيح في وجه الزمن

نحن الألى صنعوا الحياة

لا.. لن نموت وسوف لن.

نحيا عبيداً للطغاة

وستشهد الأحياء

إنسانهــا الكامل

من يصنع الدنيـا

إنسانهــا العـامـل

وسيندثر

ما شاده العقل الضعيف

وستنتحر

كهان ماضينا السخيف

إني أنا الإنسان من

في ضعفه خلق البغاء

قيدي وقبري والكفن

من صنع جهلي للحياة

صممت أن أحيا

إذ لم أعد جاهل

ألا أرتضي

سأدمر الباطل

وستزدهر

أرضي ويصحو كل ريف

وسأنتصر

لربيعنا ضد الخريف

وأصيح في وجه الزمن

نحن الألى صنعوا الحياة

ها..ها هنا جنات عدن

ها هنا نار الطغاة

وستشهد الأحياء

إنسانهــا الكامل

من يصنع الأشياء

إنسانهــا العـامـل.

أما قصيدته الخالدة "عودة بلقيس" فهي أيقونة الكفاح بحق وثورة في الشعر اليمني.

عودة بلقيس

في ليل مطموس الأنجم
ضاعت صنعاء
كرضيع يستبكي أمه
بينا تفريه بلا رحمة
وتواري في قبر لحمه
لم لا! لم لا تطفي نجمه
والنور عدو للأثمه
فلتطمس كسفاح اسمه
كيلا يروي نور جسمه
فتساوى معرتها حجمه
دوماً يخفي الباغي جرمه
في آثام أخرى ضخمه
كالهارب من شبل أرغى
لطريق الآساد النهمة
نمشي تمشي معنا
وتطاردنا
بدروب ضيقة فزعى
تتلوى علينا كالأفعى
ونصارعها وتصارعنا

فعدها النقاد ثورة في بنية الشعر اليمني، وبعيداً عن المضمون الشعري والمحتوى النقدي تكاد قصيدة "لن نموت" تحاكي قصائد عبدالوهاب البياتي ونازك الملائكة وبدر شاكر السياب فهم جميعاً من مدرسة واحدة واتجاهه واحد.

ملخص لترجمة حياته: إبراهيم علي إبراهيم صادق الأهدل، من مواليد حارة الهنود بمدينة الحديدة 1355هـ/ 1936م درس في مدرسة السور، ثم انتقل إلى المدرسة السيفية، حيث تأثر بالأساتذة مدير المدرسة محمد الخلوصي وصغير سليمان عايش وأحمد لقمان والمشهور حشابرة وأحمد جابر عفيف وعلي عبدالعزيز نصر والأستاذ محمود أحمد الكتري ونشأت الجيلاني والعزي المصوعي الذين أعجب بأشعارهم وأعانوه بدواوين الشعر العربي الكلاسيكي وشعراء النهضة، اختير ضمن بعثة الأربعين للدراسة بلبنان، فدرس في كلية المقاصد الإسلامية بطرابلس المرحلة الإعدادية حتى سنة 1368هـ/ 1949م، نقل مع زملائه إلى مصر حيث أكمل الثانوية بمدرسة حلوان، ودخل كلية التجارة بجامعة القاهرة وأكمل دراسته الجامعية، طرد من مصر بعد اعتقاله بسبب انتمائه اليساري، عاد ليعتقل مرات عدة على يد السلطات الإمامية، وعين مديراً لمصنع الغزل والنسيج بباجل، ثم مديراً لمشروع ملح الصليف ثم مديراً للمعارف بالحديدة، ومديراً لشركة الكهرباء ومديراً عاماً للتعاون الأهلي بالحديدة وآخر منصب شغله هو مدير القسم التجاري بشركة النفط - فرع الحديدة، له أوليات منها أنه مؤسس حركة اليسار باليمن، وله الريادة في الشعر الحديث باليمن، أحد مؤسسي اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، أسس مجلة اليراع بتهامة وأصدرها باسم اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين فرع الحديدة، صدر له ديوان (عودة بلقيس) في حياته وبعد وفاته صدر (أغاني الشعب)، توفي بالحديدة في 14 رجب 1409هـ / 20 فبراير1989م.