دور ثوار الساحل التهامي في 26 سبتمبر (8): عبدالرحمن جابر الزرنوقي

المخا تهامة - Friday 27 September 2019 الساعة 10:35 pm
نيوزيمن، كتب/ أ.د عبدالودود مقشر:

أرتبط عبد الرحمن جابر بحركة المعارضة اليمنية في الداخل، وحضر كثيراً من ندوات أعضائها وشارك في بعضها وفي التوعية والتنوير، كما كان عضواً فعّالاً في نادي العريش ببيت الفقيه، وعمل في بدء أمره سكرتيراً لدى البدر بن الإمام أحمد، قال الأستاذ عبدالباري طاهر: "درس باكراً والتحق بسلك الوظيفة العامة، فقد عمل كاتباً في المتوكلية اليمنية مع ولي العهد محمد البدر.. واعتقل في حجة بتهمة الإلحاد، وأنقذته زوجة الإمام أحمد بنت نصار التي رأته يؤم الناس، فكتبت للإمام جملة وحيدة والآية (أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ) [سورة غافر، الآية 28] فأطلقه، عاد ابن جابر إلى الديوان الملكي ككاتب، أتذكر ونحن طلاب علم بالجامع بالمراوعة أن عبدالرحمن جابر حينها كان أحد أهم دعاة الدسترة والعصرية والخلاص من الخرافة والشعوذة وإساءة استخدام الدين، وكان عبدالرحمن حريصاً على التواصل مع روافد الفكر العلمي العقلاني والمتحرر.. فكان شديد السخرية والاستهزاء بالمعتقدات البالية والخرافة المرتدية لبوس العلم والدين، وكان شجاعاً في المناقشة والتحاور"، وهذا يدل حسب رواية الأستاذ عبدالباري طاهر أنه سجن لأول مرة بحجة ثم سجن المرة الثانية عندما كان سكرتيراً لنائب المقام محمد أحمد باشا وبنفس التهمة وهي الإلحاد أو الانتماء للشيوعية وهي أوصاف جاهزة دأب النظام الإمامي لصقها بمعارضيه من أبناء تهامة واليمن.

دور ثوار الساحل التهامي في 26 سبتمبر (7): الشهيد العلامة عبد القادر الأهدل

دور ثوار الساحل التهامي في 26 سبتمبر(6): يوسف هبه الزرنوقي

دور ثوار الساحل التهامي في 26 سبتمبر (5): أبكر يوسف بيرو

تصدرت الصحف الإمامية والعدنية خبر اعتقاله الثاني وفي الصفحة الأولى كتبت "محسن محبشي يحتسب على عبد الرحمن جابر في الحديدة فيأمر الإمام "بدردحة" المتهم بالإلحاد"، وجاء في تقرير نشرته جريدة فتاة الجزيرة، العدد 1183، يوم الجمعة، 19 جماد الأول، 1379هـ /20 نوفمبر 1959م ما يلي: (أمر الإمام أحمد ملك اليمن "بدردحة" عبد الرحمن جابر سكرتير النائب السيد محمد أحمد باشا نائب الحديدة.. والدردحة في اليمن نوع من التشهير والتعزير، فإن الحكومة تجمع عدداً كبيراً من الناس بواسطة إعلان عن دردحة قد يبلغ ستين شخصاً وقد يبلغ مائة شخص.. يلتفون جميعاً حول شخص المدردح، ثم تعلق السلطات طبلاً ضخماً فوق ظهره والشعب من ورائه يحمل المقارع.. ثم يؤمر المدردح به بالسير والناس من ورائه يقرعون الطبل المعلق فوق ظهره فيطوفون الشوارع والحارات والأسواق وقصة عبد الرحمن جابر ذات روايتين:
- أولهما: أن اليمن تواجه الشيوعية الحمراء، وتنسب الجابر إلى أنه شيوعي لا يقل احمراراً عن شباب لينين الأوائل في مطلع الثورة الحمراء، فقد كان شباباً مندفعاً متطرفاً ثائراً ملحداً بلغ درجة الإعلان بعدم وجود الله.

- ثانيتهما: أن عبد الرحمن جابر ليس شيوعياً ولكنه ملحد.

وبسبب هذا الإلحاد احتسب محسن محبشي حاكم لواء تهامة الشرعي عليه بأنه ملحد، والاحتساب في اليمن هو أن يتربع شخص فيشهد لوجه الله أن فلاناً ملحد أو كافر أو عابث بالدين، وكان محسن محبشي قد سافر إلى السخنة وقدم احتسابه إلى جلالة الإمام على أن عبد الرحمن الجابر ملحد لا يؤمن بالآخرة، فغضب الإمام أحمد وأرسل بطائرة خاصة مع ستة من العسكر الشداد إلى الحديدة ونقل الجابر إلى السخنة حي مثل بين يدي جلالة الإمام، وهنا أيضاً روايتان:
رواية تقول: أن الجابر نفى كل ما احتسب به عليه محسن محبشي.
ورواية تقول: إن الجابر أعرب عن يأسه الثائر على أوضاع اليمن، فاعترف بما نسب إليه وأصدر جلالة الإمام حكماً ترويه روايتان أيضاً:

رواية تقول: إنه حكم عليه بالإعدام ثم خفف جلالته الحكم إلى احتجاز في سجون حجة حتى يصلح ويتوب إلى رشده من غوايته.

ورواية أخرى تقول: إن جلالة الإمام أمر أولاً بتقليع أظافره.. ثم أمر بجلده حتى تدفق الدم من جسده.. ثم أمر بإرساله إلى حجة للإقامة في سجونها الظلماء.

عبد الرحمن جابر يشغل منصب سكرتير السيد محمد أحمد باشا نائب جلالة الإمام في الحديدة وهو من رجال الزرانيق، وقد عرف عن الجابر أنه شعلة من ذكاء على جانب من الاطلاع الواسع والمعرفة المتشعبة، ومن المحتمل جداً أن يكون ضحية التعبير عن أفكار قرأها واطلع عليها، ثم تحدث عنها لا إيماناً بها وإنما لغرض الحديث فقط، فقد حدث أكثر من مرة أن ذهب المتحررون في كلامهم ضحية تحررهم إذ يتحررون في مجالس لم تنطلق بعد لتنصت إلى كلام يمس إيمانهم، وخصوصاً أن المتكلمين لا ينسبون ما قرأوا إلى الكاتب الذي قرأوا له، ولكن يبدون كأنما هو كلامهم ورأيهم واعتقادهم، وتفيد الأنباء أي نوع كان عبد الرحمن جابر فإن أهالي تهامة في عدن أعربوا لنا عن عطفهم عليه وعن إعجابهم باطلاعه ولكنهم لبعدهم عن مسرح الحوادث لا يستطيعون أن يؤكدوا أو ينفوا ما حدث في الحديدة."

لم يخرج عبدالرحمن جابر من سجن نافع بحجة إلا في يوم قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م- 27 ربيع الثاني 1382هـ، فقد أمر المشير عبدالله السلال –أول رئيس للجمهورية– بالإفراج عن المسجونين بنافع بتهم سياسية، ثم أصدر المشير ببقاء الأستاذ عبدالرحمن جابر مع إخوانه من الأحرار للمشاركة في الدفاع عن حجة، قال السلال: "وقد تذكرت هذه المدينة الحصينة –حجة-، وما أحدثه الطاغية أحمد حينما نجا من الاغتيال وتوجه إليها في ثورة 48، وعرفت في وقتها أن البدر لو وصلها فإنه سوف يعيد ما بدأه والده لا سيما وهذه المنطقة تعتبر مهمة جداً بالنسبة لهم، ولأن فيها أصهارهم وأخوالهم وأنصارهم من القبائل الذين يعتقدون فيهم ويقدسونهم، الأمر الذي جعلني أحرر برقية عاجلة باسم القيادة العامة إلى النقيبين علي سيف الخولاني وهاشم حوثي ومن معهما أمثال الأخ عبد الملك الطيب والأخ عبد الرحمن جابر بأن يعودوا إلى مدينة حجة وبأسرع ما يكون لاستلام القيادة والقيام بتحصينها ومنع وصول البدر إليها مع اليقظة والحذر والحسم واتخاذ الحيطة التامة، وفعلاً لقد حدث ما توقعت وحاول البدر بمن معه احتلال مدينة حجة المنيعة عدة مرات ولكن القائدين البطلين ومن معهما استطاعوا أن يمنعوه ويفشلوا كل مخططاته"، وهو ما أكده تنظيم الضباط الأحرار في تاريخه فقال: (كان يوجد في المعتقل السياسي نافع بحجة عدد كبير من ضباط وأفراد الجيش وأبناء المشايخ من ضمنهم علي سيف الخولاني، هاشم الحوثي، عبد الله المقبلي، الشيخ حزام الأغربي والشيخ علي ناجي الشائف والأستاذ عبد الرحمن جابر ومجموعة من أفراد القناصة الذين قاموا بضرب الحصار على الإمام أحمد في تعز عام 55، وعندما تولى البدر.. في 19/9/1962م - 20/4/1382هـ أطلق سراح الأخوة المذكورين، وفي ليلة الثورة أرسلت اللجنة القيادية للتنظيم برقية إلى الأخ علي سيف الخولاني وزملائه كلفتهم فيها بقيادة لواء حجة"، الرحومي، مقدم أحمد وآخرون. أسرار ووثائق الثورة اليمنية، إعداد لجنة من تنظيم الضباط الأحرار، صـ 175.

ذكر اللواء يحيى مصلح في مذكراته وهو المكلف من القيادة بضبط حجة فقال: "توجهنا إلى حجة وفور نزولنا في المطار كان أبناء حجة في استقبالنا ومن ضمنهم: العميد قائد الجيش علي لطف الثورة والعقيد علي الرازقي، رحمه الله، قائد سرايا الدفاع والذي كان له الفضل الكبير في مسك المنطقة لصالح الثورة، ولولاه لما والت حجة الثورة، والنقيب الحاج معصار وعلي سيف الخولاني وعبد الله المقبلي وهاشم الحوثي وشرف المروني الذي رحل على نفس الطائرة التي وصلت فيها لمرضه ـ وهو من ـ الذين خرجوا من السجن بعد الثورة والأستاذ عبد الرحمن جابر ومحمد الكحلاني الذي أرسل برقية إلى المشير عبد الله السلال باختلاف الضباط في حجة مما قد يتسبب في سقوط حجة، والأستاذ عبد الملك الطيب، والأستاذ محمد المحطوري، وجميع الذين أفرج من السجون ومنهم آل الشايف الشيخ حمود الشايف، وبعد أن ألقيت كلمة في المطار مذكرا المحتشدين بما سقط من شهداء دفاعا عن الوطن منذ ثورة 1948م، فوجئت بوجود عدد من أنصار الإمام حيث كنت أعرفهم لترددهم على الإمام بالحديدة، فقمت بالاعتقالات بدءاً من المطار، وقد حاول أحد هذه العناصر المقاومة ولكن عبد الرحمن جابر كان أسرع منه حيث وضع المسدس في رأسه بعد أن صعد إلى المدرعة مما شل حركته ثم اتجه موكبنا إلى دار سعدان سابقا القصر الجمهوري حاليا.. عقدنا اجتماعا في المفرج الخارجي -القصر الجمهوري- حضره الأخوة من قيادة الجيش والخارجون من السجن إضافة للأخ عبد الرحمن جابر، والأخ محمد عبد الله الكحلاني).

ملخص لترجمة حياته:

عبد الرحمن جابر عبدالله الزرنوقي، من مواليد بلدة الحسينية قضاء بيت الفقيه 1349هـ/ 1930م، درس في المكتب الأحمدي ثم تتلمذ على يد الشيخ علي عبدالواحد الحجازي ببيت الفقيه عشر سنوات في مسجد النور ودرس في المدرسة العلمية بالجامع الكبير على يد العلامة عبدالرحمن بن عبدالقادر حلبي والشيخ العزي الحديدي والعلامة علي عبدالواحد الهندي وغيرهم، ولكن تأثير شيخه الحجازي -الذي درس بمصر على أشهر علماء الأزهر ومنهم الشيخ محمد عبده والشيخ محمد رشيد رضا– كان عليه عظيماً خاصة ويلحظ اضطهاد ومضايقة السلطات الإمامية لشيخه بسبب الخوف من أفكاره التجديدية، ثم انتقل -بعد انتقال شيخه للحج– إلى الحديدة وعمل سكرتيراً لنائب المقام محمد أحمد الباشا ومع محمد البدر ولي العهد بسبب ذكائه وحسن خطه، ولاطلاعه الواسع وثقافته التجديدية تأثر بالأفكار الإنسانية التي كانت سائدة، وقراءته لكتاب النهضة والتنوير العربي، وتأثره بكتابات المفكر الإنساني عبدالله القصيمي والجهر بهذه الأفكار والدعوة إلى التحرر والتقدم.

سجن في الحديدة بتهمة تحريف القرآن ثم نقل إلى سجن السخنة وأمر الإمام بإعدامه لولاد دور زوجة الإمام أحمد بنت نصار التي رأت عبدالرحمن يؤم الناس في صلاة المغرب فطلبت الإمام وأرته هذا المنظر قائلة أتقتلون رجلاً يقول ربي الله، فتراجع الإمام عن حكم الإعدام ونقله لسجن نافع بحجة، واستمر مسجوناً رغم محاولات عبدالله مقبول الصيقل وأحمد جابر عفيف حتى قيام الثورة، وأطلق وأسند له أول عمل له مع إخوانه من الثوار وهو الدفاع عن حجة والتصدي لمحاولات البدر الدخول إليها.

عين في الثورة بمناصب عديدة آخرها مدير مكتب قائد الثورة ورئيس الجمهورية عبدالله السلال، ومع خروج السلال من السلطة اعتقل عبدالرحمن جابر ثم لجأ إلى مصر سياسياً ليبقى قريباً من عبدالله القصيمي الذي أحبه وتأثر به، فكان خدوماً ويبذل قصارى جهده في منفعة الناس، وخط كتابات القصيمي ورتبها وأرشفها وأشرف على طباعتها، توفي بمصر في يوم الجمعة 3 شوال 1429هـ / 3 أكتوبر 2008م.