«الدحيف».. فن ساحر موطنه «شقرة»

متفرقات - Tuesday 11 February 2020 الساعة 08:01 am
نيوزيمن، عبدالله البحري:

يعد فن الدحيف (رقصة الشرح) التي تشتهر بها منطقة شقرة الساحلية بمحافظة أبين جنوبي اليمن، من أغنى وأهم الفنون والرقصات الشعبية وأشهرها بما يتميز به من جزئيات جمالية تكاملية تتضافر أنسجة الفن فيها لتشكل لوحه فسيفساء يتناغم فيها الشعر واللحن والصوت والإيقاع والرقص ومزاج البيئة الشعبية الحاضنة لهذا الإبداع التراثي الشعبي.

ويرتكز هذا الفن أساسا على رقصة تسمى (رقصة الدحيف) وموطنها محافظة أبين وعلى الأخص مدينة شقرة الساحلية وهذه الرقصة هي إحدى الرقصات الشعبية للصيادين ولكن لا يكون الدحيف دحيفا حقيقيا عند مؤديه ومريديه إلا إذا اقترن بالشعر والغناء والإيقاع وأريحية السامرين.

وتقام حفلات الدحيف في مناسبات الزواج، وتستمر الحفلة من منتصف الليل حتى إشراقة اليوم التالي، وتدور خلال هذه الساعات مساجلات ميدانية مرتجلة بين شعراء هذا الفن المعروفين.

وأنتج هذا الفن الإبداعي الجميل تراثا غنيا من الأغاني ثم مع الأيام أصبح إيقاع الدحيف تصورا ذهنيا أخذ الشعراء الشعبيون ينظمون على ألحانه قصائد يستطيع أن يرسم رسما للملامح العامة للمجتمع الشعبي المحلي.

ويؤدي رقصة الدحيف في العادة الصيادون ببراعة وإتقان فني جميل في أوقات سمر الليل، كتعبير عن ابتهاجهم ومقاومتهم الأمواج العادية للبحر.

وتبدأ هذه الرقصات الشعبية عادة بصوت (الدان)، ويتبارى فيها الشعراء لأخذ أحسن قصيدة شعرية، ويقوم الجميع بترديدها بعد ذلك، وكانت تؤدى هذه الرقصة في الماضي «بأن يرتص صفان، واحد من الرجال والآخر من النساء، ويتم بصفقة الأرجل على الأرض مصحوبة بالصفقة، ويتخلل ذلك نزال اثنين من الراقصين (رجل وامرأة) إلى الحلقة بين الحين والآخر، لتأدية الحركة مع الدوران، أما في الحالي فيؤديها الرجال فقط.

ومن أشهر أقوال عميد شعراء (الدحيف) في منطقة شقرة الساحلية الشاعر المرحوم أبو بكر باسحيم «عادني عيش رغم الفقر مرتاح عادي.. با بلادي ولو كل من حجار الجبل.. وأشرب من البحر ما بافارقش يا بلادي.. وإن عطوني السعودية وأربع دول.. ماهي بعيني كما شقرة وقاسم عباد».

طقوس فريدة

وتحدث لـ"نيوزيمن"، الدكتور سعيد محمود بايونس أستاذ اللغة العربية والنقد الأدبي بجامعة أبين ورئيس جمعية شقرة الثقافية عن هذا الفن الشعبي قائلاً: "فن الدحيف تختص به منطقة شقرة الساحلية، وهو يتكون من طقوس ربما لا تتوفر في كثير من الرقصات الشعبية في أبين.

وأضاف إن "فن الدحيف هو عبارة عن كوكتيل من الرقص والشعر والصوت الجميل ويبدأ بالمساجلات الشعرية بالصوت الأول وهو الصوت القصير حول موضوع معين يختاره الشعراء المتبارون ويتم فيه التطرق لموضوع غزلي أو موضوع سياسي أو اجتماعي، وتبدأ المساجلة مع المغني وبعدها تبدأ عملية الرقص".

وأشار إلى أنه في السابق كان يصطف الرجال مع النساء، أما الآن فصار الرجال فقط يصطفون حول صفين أشبه بالموج، ويبدأ الرقص.. والدحيف مرتبط بالمناسبات الدينية والزواج.

ويعبر "الدحيف" من أغنى وأهم الفنون التراثية الشعبية في اليمن، وهي رقصة بحرية خاصة بمدينة شقرة الساحلية يمارسها الصيادون في أفراحهم وأعيادهم، وعند الحصول على الرزق الوفير من البحر.

من ناحيته قال الشاعر أحمد حسن معافا، وهو أحد شعراء الدحيف وعضو جمعية شقرة للتراث في حديث لـ"نيوزيمن": "مغني الدان عندما يأخذ صوته بالدان على نفس الوزن وتفعيلة الدان الموجودة يبتدي الشاعر بالقافية التي يختارها وصاحب البداية يحدد القافية التي ينبغي أن يسير عليها الشعر إلى أن يقوموا يرقصون".

وذكر أن من ضمن ضوابط هذا النوع من الفن هي عدم جواز تكرار القافية.

ثلاثة ألحان رئيسية لـ"الدحيف"

بدوره قال حليم محمد سالم اليافعي، وهو مغني دان ومساجلات شعرية: في المناسبات نقوم بتأدية صوت الدان الدحيف، والشعراء عليهم تراسل بالشعر وأنا أردد القصيدة بعدهم ونترك القصائد التي تأتي ناقصة.

ويضيف: في الغالب يكون هناك للحفلة أكثر من فنان ويقوم بالتقاط قول الشاعر سواء أكان بيتاً أو بيتين أو عدة أبيات والدندنة بها بصوت لحن الدحيف السائد في تلك اللحظة.

وللدحيف ثلاثة ألحان رئيسية: القصير والطويل والمتوسط، فإذا كانت متناسبة مع اللحن غنّاها وإذا لم تكن متناسبة إما يتدخل الشاعر لإصلاح الخلل اللحني أو يمسك المغني عنها ويستمر الفنان أو المغني في الغناء مع المرددين حتى ينسج شاعر آخر كلمات أخرى جواباً على تلك الأبيات ويلقّنها للمغني فيستأنف المغني الغناء بالأبيات الجديدة وهكذا حتى نهاية الحفل.

وتكمن أهمية فن الدحيف أنه يتيح فرصة للشعراء لاستيعاب ردود بعضهم على بعض من خلال ترديدها من قبل المغني والمنشدين ثم ترتيب أفكارهم ونظم الرد المناسب لها إلى ما يشيعه الغناء من جو البهجة والحماس بين الحاضرين والراقصين وكذا تثبيت الشعر في ذاكرة الموجودين في الحفل.
وتبدأ رقصة الدحيف خفيفة على صوت اللحن القصير ثم تصبح أثقل وأثقل كلما اقترب الوقت من نهاية الحفل عند طلوع الصبح ثم يتحولون إلى رقصة الشرح.

وتمتاز هذه الرقصة بضربة الأرجل على الأرض مع الصفقة من قبل الرجال ويتخلل ذلك نزول اثنين من الراقصين «رجل ورجل» إلى الحلقة بين الحين والآخر لتأدية الحركة مع الدوران ويعودان إلى الحلقة وتستخدم في هذه الرقصة طبول كبيرة «المهاجر»، كما تستخدم فيها أيضاً المقطرة التي يوضع فيها الجمر والبخور ويحملها رجل ويدور بها في الحلقة «المدارة».