في ذكرى صوت الجبال الجمهورية.. علي الآنسي صانع الوعي الوطني!

متفرقات - Saturday 18 April 2020 الساعة 10:38 am
نيوزيمن، فاروق ثابت:

بينما بدأ كثير من الحاضرين في القاعة الخروج تباعاً، انطلقت الأغنية مفتتحة مسارها إلى سماء الإبداع العربي من على مسرح مهرجان الأغنية العربية بسوريا "وقف ودع" لتذهل معها كل من تبقى في القاعة ويتسمر من في مكانه من كان قد قام للخروج ورجع من قد كان خرج ليعود صخب القاعة بالتصفير والتصفيق المنذهل بإبداع هذا الفنان اليماني العظيم.

هكذا قال لي أحد أساتذتي الذين حضروا هذا المهرجان حينها في سبعينيات القرن المنصرم على ما يبدو.

علي بن علي الآنسي أسطورة غنائية وظاهرة فنية ومدرسة إبداعية متكاملة للغناء اليمني الذي ذاع صيته على مستوى المعمورة.

ورغم مرور وقت طويل على مغادرته لنا منذ ما يقرب من 39 عاما تقريبا، الذكرى التي تصادف ال17 من ابريل، لكنه يبقى أهم أعلام الفن اليمني الأصيل، وما تزال أغانيه متصدرة، وآسرة للقوب والمسامع معاً، فهو الرجل الذي حقق قفزة جبارة في مستوى الفن اليمني، من حيث اختيار القصيدة، واللحن، والموسيقى وخاصة في مجال اللون الصنعاني الذي ذاع صيته بوجود هذا الفنان بصورة أوسع.

لم يكن الآنسي فناناً غنائياً فحسب بقدر ما جمع بين الأديب و المطرب، والموسيقار، وبعبقرية خالدة جمع بين كل هذه الصفات ليقدم لنا نتاجات مذهلة ما تزال تردد صداها نوادي ودور ومقايل وجبال واودية وشواطئ اليمن الكبير.

صحيح أن أغنية "أنا الشعب" كانت سبب مطاردته من قبل السلطات آنذاك المعروفة بالقمع بقيادة المجرم السلالي محمد خميس الشامي، لكن الأغنية زادت القيل الآنسي حميمية وحبا لدى الجماهير اليمنية للفنان الذي يثبت يوماً بعد يوم بساطته وقربه من الشعب إلى جانب وطنيته وإبداعة الاسطوري.

173 أغنية شكلها علي بن علي الآنسي بماء قلبه الخالد، ليثري معه الفن اليمني من بينها 34 أنشودة وطنية كان آخرها "نحن الشباب"، ليغادر بعدها إلى جوار ربه لكنه لم يغادر من وجدان الجماهير اليمنية.

منذ قيام الثورة في العام 1962 وحتى العام 1968 لم يهدأ للمناضل السبتمبري الآنسي بال حتى تنقل بين جبال اليمن ووديانه يرتدي البزة العسكرية حاملاً بندقيته في يد وفي اليد الأخرى العود وريشة العزف لتوجيه المقاتلين وتحفيزهم للدفاع عن الجمهورية ضد قوى الإمامة البائدة.

وطوال فترة نضاله وإبداعه اصطدم الآنسي بكائنات الولاية والخلافة التعيسة، ولمّا كان صاحب فكر وتوجه يساري قومي لم يرق دومًا لهذه الجماعات ما يقوم به، وعرف عن الآنسي حبه لتعز ايضا وكيف كانت تشكل دفعة قوية لابداعه الفني وهذا ما ضاعف الأحقاد ضده.

كل تحركاته اللامقيدة في حب اليمن الكبير أغاضت هذه الجماعات ليسأله أحدهم "إنَّا لِلْمَة تبرغلت"؟!

ليجيب لهم بكبرياء ووطنية خالدة: "فهموني ما معنى اليمن"؟!

القيل الآنسي سطر للتاريخ ملاحم سبتمبرية خالدة أبرزها "اليوم يا تاريخ قف" من كلمات شاعر اليمن عبدالله البردوني وألحان وغناء الفنان الآنسي وقد حققت صدىً واسعاً حينها وما تزال تتردد حاليا في كل أرجاء اليمن وهي الأنشودة التي حفرت كلماتها والحانها في ذاكرة ووجدان كل سبتمبري غيور:

"اليوم يا تاريخ قف

أشر إليّ بالألف

ماذا ترى ماذا تصف

لا تندهش لا ترتجف

هذي الجموع تأتلف

وكالسيول تنقذف

كي تسبق الوعد الأكف

مسيرها لا ينحرف

طريقها لا يختلف

عن عهدها السبتمبري

...

ماذا ترى أيدي سبا

فوق الربا مثل الربا

عادت تشق يحصبا

في كل شبر كوكبا

هنا تلاقت موكبا

من الشموخ والإبا

والعنفوان الحميري".

المجد والخلود لعلي بن علي الآنسي وكل مبدعي اليمن شمالاً وجنوباً.