من البنّا والصفوي إلى قطر وخامنئي: الإخوان والشيعة.. واحدية الفكر والهدف

تقارير - Tuesday 10 November 2020 الساعة 08:15 pm
عدن، نيوزيمن، ايهم سعيد:

لم تكن علاقة الإخوان بالشيعة حديثة العهد مثلما هي متجذرة ومرتبطة بأواصر عميقة بدأت منذ مطلع القرن المنصرم.

فقد كانت بداية البدايات، وفقاً للقيادي الإخواني المنشقّ ثروت الخرباوي في كتابه الموسوم “أئمة الشر: الإخوان والشيعة أمة تلعب في الخفاء، 2013: "في تاريخ الإخوان القديم، ورقة ظلّت مخفيّة لا يعرف أحد عنها شيئاً، أذهلتني حين عرفتُها، كانت مخبّأة في أحد دهاليز الجماعة، من دون أن يلتفت إليها أحد، أو يشعر بقيمتها التاريخية. كانت هذه الورقة تحتوي على خبر زيارة لمقرّ الإخوان في مصر، قام بها سيد روح الله مصطفى الموسوي الخميني عام 1938، وتشير هذه الورقة إلى أن ثمة لقاء خاصاً تمّ بين المرشد الأول للجماعة الأستاذ حسن البنا والسيد روح الله مصطفى الخميني، الذي أصبح في ما بعد الإمام آية الله الخميني، مفجّر الثورة الإيرانية، ولكن مِمّا يؤسَف له، أنّ أحداً من الذين عاصروا هذه الواقعة لم يدوِّن أحداثها ووقائعها، على الرغم من أنّ زيارات أخرى قامت بها شخصيات شيعية شهيرة لمقرّ الإخوان في منطقة الدرب الأحمر، وصلت إلينا أخبارها وبعض تفاصيلها."

تقريب بين المذاهب

استمر التواصل فيما بعد ليكون علناً وفقاً للباحث عماد الدين الجبوري حيث أطلق مؤسس حركة الإخوان حسن البنا شعار "الوحدة الإسلامية" بغية تسويق فكرة التقارب بين المذهبين السني والشيعي لذلك فقد عملت "دار التقريب بين المذاهب الإسلامية" التي اقترحها الإيراني محمد تقي القُمِّي عند زيارته القاهرة عام 1947 على تمهيد وترسيخ الصلة بين القيادات الصفوية والإخوانية، ليستمر التواصل بين الطرفين علنا أو سراً، وفقاً للأوضاع السياسية في مصر والمنطقة عموماً.

أنت إخواني إذن أنت شيعي

توالت الأحداث لتتسع رقعة العلاقة بين التنظيم والشيعة، لذا فقد دعا مؤسس حركة الإخوان سيد قطب الامام الشيعي الايراني مجتبى مرلوجي المعروف باسم نواب صفوي مؤسس حركة "فدائيان اسلام" (اي فدائيو الإسلام) الثورية في 1954 إلى مصر لحضور مؤتمر القدس الاسلامي في 12 يناير كانون الثاني، واجتمع صفوي بقيادات الإخوان في مصر وسوريا والاردن وخطب فيهم بمقولته الشهيرة "من اراد أن يكون جعفرياً حقيقياً فلينضم إلى صفوف الإخوان".

والمذهب الجعفري هو مسمى آخر للمذهب الشيعي الإثنا عشري القائم على الاعتقاد بأن الولاية تكون للإمام علي بن أبي طالب والاثنا عشر من الائمة المعصومين من بعده، وتعود تسمية هذا المذهب إلى الامام جعفر الصادق، الذي يأتي ترتيبه السادس من أئمة الاثنا عشرية".

قطب في إيران

فيما يُرجع الباحث الإسلامي هشام النجار أن علاقة الإخوان بالشيعة ترجع إلى الستينيات عندما زار سيد قطب إيران مشيراً إلى أن ثمة تشابها كبيرا بين الجانبين فيما يتعلق بالمظلومية والكربلائية.

"التلمساني" والتقارب

وحققت العلاقات بين الجانبين قفزة نوعية في عهد المرشد العام الثالث للإخوان عمر "التلمساني" الذي كتب في مجلة "الدعوة" العدد 105 يوليو (تموز) 1985 بعنوان شيعة وسنة قال فيه "إن التقريب بين الشيعة والسنة واجب الفقهاء الآن، فما يزال الإخوان المسلمون حريصين كل الحرص على أن يقوم شيء من التقارب المحسوس بين المذاهب المختلفة في صفوف المسلمين".

وبحسب رأي التلمساني، “فإنّ فقهاء الطائفتين يُعتبرون مقصّرين في واجبهم الديني، إذا لم يعملوا على تحقيق هذا التقارب، الذي يتمناه كل مسلم في مشارق الأرض ومغاربها”.

تغافل

ما كتبه عمر التلمساني، يتغافل عمداً عن حقيقة حكم الخميني، الذي كشف للعرب وللمسلمين عن مشروعه الطائفي الهادف إلى تمزيق النسيج الاجتماعي في كل البلدان العربية، وإلى سحق الهوية الوطنية، وتسييس شعائر الحج، وافتعال المشكلات ضد السعودية، واستفزاز استقرار دول الخليج العربي، ناهيك عن الحرب القائمة مع العراق وقتذاك. لكنه النهج الإخواني المتوافق مع إيران في تقديم الأسلمة المؤدجلة وإلغاء المفهوم الوطني والقومي، إنه المخطّط الذي اجتمع عليه الخميني والبنا عام 1938، والذي ظهرت تطبيقاته السلبية على نحو علني منذ وصول الخميني إلى السلطة وإعلان جمهوريته الإسلامية.

ترجمة

في العام 1966 قام خامنئي بترجمة كتاب سيد قطب “المستقبل لهذا الدين” إلى اللغة الفارسية، وكتب في مقدمة الترجمة أهمية الدور الذي أدّاه قطب، وأطلق عليه “المفكّر المجاهد”. ثمّ ترجم كتاباً آخر لسيد قطب هو: “الإسلام ومشكلة الحضارة الغربية”، ووسمه بعنوان “بيان ضدّ الحضارة الغربية”، فضلاً عن ترجمته قسماً من كتاب “في ظلال القرآن” لقطب أيضاً. وعندما أصبح خامنئي “مرشداً” للجمهورية الإسلامية عام 1989، أصدر أمراً بتدريس نظريات وأفكار سيد قطب في مدارس الإعداد العقائدي لدى “الحرس الثوري الإيراني”.

مفاهيم فكرية واحدة

ومنذ نشوء مرجعية ولاية الفقيه التي قامت متأثرة بحركة الإخوان المسلمين واتفقت معها حتى فى مسمى "الامام، والمرشد" ثمة مفاهيم فكرية وفقهية جمعت بين الطرفين الشيعي الصفوي والسُّنّي الإخواني، وهي بمجملها ذات أهداف سياسية بصبغة إسلامية، تقوم على فكرة الإسلام الأممي، إذ بالنسبة إلى إيران، كما تدّعي، هدفها هو “حضارة الإسلام الجديدة”، أمّا الإخوان، فهدفهم الأسمى في تحقيق “الإسلام العالمي”، إضافةً إلى أن كليهما ينبذ القومية العربية والهوية الوطنية والحدود بين البلدان الإسلامية والمدنية الغربية.

لم يكن الإسلام في منهجية الفكرَيْن الإيراني والإخواني سوى قالب تصدير أو جسر عبور للوصول إلى دفّة الحُكم وتنفيذ غايات وأهداف تعمل على تفكيك الأمن القومي العربي وتقليص المفاهيم والمبادىء والأفكار المتعلّقة بالعروبة حاضراً وماضياً، بغية تسطيحه مستقبلاً من العقل والواقع، فضلاً عن البناء العالمي للإسلام لقيادة البشرية، سواء عن طريق “التنظيم الدولي للإخوان”، أو عبر التحالفات الإسلامية مع النظام الجمهوري الإسلامي الحاكم في إيران.

قواسم مشتركة

هناك قواسم مشتركة بين مفاهيم الإخوان وإيران كمسألة الغلو في الشخصية. فعن الخميني، بعد تعزيز قبضته على السلطة باعتباره “الولي الفقيه” و”إمام المستضعفين”، ارتفعت درجة التعظيم والغلو بشخصه حيّاً وميتاً، إذ بلغت كلفة قبره أكثر من مليار دولار أميركي. وذكرت صحيفة “اطلاعات” الإيرانية في 1992 “أنّ المساحة المسقّفة لمرقد ومصلى الإمام الخميني في مقبرة “بهشت زهراء”، تبلغ 600 ألف متر مربع، وطولها كيلومتر واحد، وعرضها يزيد على نصف كيلومتر، وبهذا لا مثيل لها مقارنة بكافة الأبنية الدينية الإسلامية والمسيحية واليهودية، وحتى الأديان الأخرى”.

ولقد مارس الإخوان المسلمون السلوك التمجيدي ذاته تجاه إمامهم حسن البنا الساعاتي. ونذكر هنا عمر التلمساني مثالاً، ففي كتابه: “ذكريات لا مذكرات” 2012، مجّد البنا بإضفاء الاختيار الإلهي على شخصه، قائلًا: “لمّا كان الأمر أمر تجميع وتكوين وتوحيد مفاهيم أمة مسلمة، لمّا كان الأمر أمر عودة المسلمين إلى الإيمان، لمّا كان الأمر كذلك، اختار الله لهذه الدعوة إمامها الشهيد حسن البنا”.

وبذلك، لا غرو إن أذاب التلمساني شخصه في مرشده الأول، إذ يقول: “كنتُ أرى وأسمع وأفكّر بعين فضيلته، وآذانه وعقله، لثقتي المطلقة في صواب كل ما يرى، وقد يكون في هذا شيء من الخطأ أو إلغاء الشخصية عند بعض الناس، ولكنّي كنتُ معه الميت بين يدَيْ مُغسِّله، وكنتُ سعيداً بهذا كل السعادة”.

التنظيم والجهاد

إنّ بعض المفاهيم المشتركة بين الجانبين الإيراني والإخواني تأخذ دوراً مهماً في إظهار عقائدهم التي يسوّقونها للآخرين، مثل مبادئ التنظيم والجهاد، إذ يشتغل الطرفان على إحياء البعث الإسلامي، وإعادة صياغته من جديد وفقاً لايدولوجيا كل منهما، واعتبار حضارة الغرب ومدنيّتها مادية خاوية روحياً، وبالنسبة إلى المسائل العقائدية والتفسيرية للنصوص الدينية بين الطرفين، فثمة ليونة إخوانية جليّة تجاه عقائد التشيّع الصفوي، بحجة إيجاد أرضية مشتركة تُجمّع ولا تُفرق. ففي مسألة الحاكمية أو الخلافة يحاول الإخوان حصر الخلاف في آلية الاختيار الجمعي لا النصي بغية الالتقاء في عملية التوحيد بين المسلمين.

تكفير

في كتابه “معالم على الطريق” يرى سيد قطب وبصورة اكثر تطرفاً من البنا أن المسلمين اليوم “ليسوا مسلمين كما يدعون إن شهدوا أن لا إله إلا الله وإن محمد رسول الله وإن صلى أحدهم وحج البيت الحرام وهم يحيون حياة الجاهلية”. وأن “موقف الإسلام من هذه المجتمعات الجاهلية كلها يتحدد في عبارة واحدة، أن يرفض الاعتراف بإسلامية هذه المجتمعات كلها”.

أما في كتابه “في ظلال القرآن” فيذهب للقول “ليس على وجه الأرض دولة مسلمة ولا مجتمع مسلم قاعدة التعامل فيه هي شريعة الله والفقه الإسلامي”. ويرى أيضاً “إن قضية وجود الإسلام ووجود المسلمين هي التي تحتاج اليوم إلى علاج”.

ومن عبارات تلك النصوص يتضح لنا كيف أن الإخوان يستخدمون قضية التكفير ضد الآخرين وفق رؤية فكرية ومفهوم ديني يخصهم وحدهم، ما يعني أن الإخوان هم فقط على الصراط المستقيم، وهي طريقة يحاولون فيها احتكار الإسلام لمنهجهم بغية فرض سيطرتهم وسطوتهم.

استبداد

وهذا التسلط والاستبداد الروحي ظهر بشكل سافر في صلاحيات الولي الفقيه المطلقة، باعتباره المرجع الديني والسياسي في آن واحد، ففي تاريخ 31 ديسمبر (كانون الأول) 1985، بعث خميني برسالة إلى خامنئي الذي كان يشغل حينها منصب رئيس الجمهورية، يشرح له فيها تصوراته عن الأطر والصلاحيات الواجبة لدى الولي الفقيه، أجاز فيها خامنئي اسقاط أو منع ركن الحج على اعتبار "أن الحكومة شعبة من ولاية رسول الله المطلقة وواحدة من الاحكام الاولية للاسلام".

علاقة الولاية والخلافة

لم تكن علاقة الإخوان بالشيعة وايران عابرة، أو انها اتت نتيجة ظرف مرحلي، أو مصلحة طارئة، وانما اتت كانعكاس فكري في الاراء والتصورات والمصالح ونتاج علاقة تأريخية عميقة قائمة على مسمى "الجهاد "، جماعتان انبثقتا من مشكاة واحدة من اجل الاستحواذ على الحكم باسم الاسلام والدين، وان اختلفت في المسمى ك"الولاية" أو "الخلافة" لكنها تنطلق من ذات المصلحة والايدلوجيا القائمة على اعتبار كل من ليس من الجماعة عدو وجب الجهاد ضده على الطريقة "الميكيافلية"، وهذا يفسر التقارب في الرؤى وواحديتها احياناً كثيرة امتد ذلك على شبه توافق الطرفين بما تقترفه مليشيا ايران في الشرق الاوسط مؤخراً، وتجاهل الجماعة ذلك، لمعاداة كل من يعادي ايران.

الإخوان والتقية

ومؤخرا وصلت العلاقة بين الجانبين حد الذروة وان خَفَت اعلامها احيانا، لكن التواصل العلني أو السري ما يزال يسير على وتيرة عالية، العلاقة التي تنهج فيها الجماعة "التقية" وهي ذات نهج الشيعة في الظاهر غير الباطن، من حيث معاداة الإخوان المسلمين لاعداء ايران والشيعة باطناً، كدول شقيقة، وفي ذات الوقت يُعد الإخوان هذه الدول ظاهراً احد اهم حلفائها.

اجتماع سري

في العام المنصرم وبالتحديد في ال18 من نوفمبر كشفت وثائق سرية مسربة للاستخبارات الايرانية نشرتها "نيويورك تايمز" الاميركية عن اجتماع سري بين الحرس الثوري الايراني وتنظيم الإخوان جرى في تركيا في ابريل من العام 2014 لأجل ضرب مصالح السعودية ووضع اطار عمل للتعاون بينهما في المنطقة، وكان من ابرز الممثلين للطرف الايراني شخصية قيادية في الحرس الثوري ظهر باسم حركي يعرف ب"ابو حسين" وهو نائب الصريع سليماني، فيما حضر الاجتماع من جانب الجماعة ابرز قيادات التنظيم في مصر وهم: "ابراهيم مصطفى، ومحمود العبيري، ويوسف مصطفى ندا".

قطر ومليشيا إيران

كان هذا الأمر سراً ولكن مع تطور الأحداث ومرور الزمن بات الموقف علنيا، حيث ظهرت بعض الدول الراعية للتنظيم العالم بوضوح تمنح دعماً لوجيستياً واعلامياً لايران، ومليشياتها ضد الشعوب العربية في صدارة ذلك دعمها بصورة مباشرة أو غير مباشرة للحوثيين سياسياً واعلامياً، ودعوة قطر عن طريق اجهزتها الاعلامية إلى التصالح مع الحوثيين، وتصويرهم كطرف حرب مظلوم، وليس كمليشيا انقلابية غاصبة.

تميم في إيران

وفيما كانت مليشيا سليماني تدك المدن اليمنية بالمدفعية والدبابات، وتقنص الاطفال والنساء والشيوخ، كان أمير قطر تميم بن حمد يدلف قصر الرئاسة الايراني معزياً في مقتل سليماني الذي نفق إثر ضربة جوية امريكية في العراق في يناير من العام الجاري 2020.

فكر إرهابي

يبقى الفكر الشيعي والإخواني والمليشيات المنبثقة عنه اخطر ما يواجهه الوجود البشري في الدول الاسلامية ككل وحيثما وجد المسلمون في كل بلدان العالم، ومصدر تهديد للتنمية والمعرفة وحرية الفرد والحياة المدنية من حيث، ان هذا الفكر يجعل من معتنقه مُسَيَّرا لا مُخيرا، وذا عقلية خاملة، بعيداً عن التفكير وإعمال منهج الاستنتاج والمنطق، واللجوء إلى التطرف والعنف والتكفير، وسيطرة نزعة الاقصاء والاستحواذ، على اعتبار أن ذلك جزء لا يتجزأ من عقيدة هذا الفكر.