لجنة السياسات فجَّرتها.. "نيوزيمن" يكشف خفايا صراع الأجنحة الحوثية والهدنة الهشَّة لاحتوائه

تقارير - Sunday 08 August 2021 الساعة 08:28 am
صنعاء، نيوزيمن، تقرير خاص:

بعد قرابة الشهر من تصاعد الخلافات بين قيادات المليشيات الحوثية، الذراع الإيرانية في اليمن، سعت قيادات داخل الحركة الحوثية إلى احتواء الخلافات وعقد هدنة مؤقتة تقوم على إيقاف حملات الاتهامات المتبادلة على وسائل التواصل الاجتماعي.

وقالت مصادر مطلعة لنيوزيمن: إن قيادات داخل المليشيات ضغطت باتجاه احتواء الخلافات، وهو ما تم ترجمته من خلال لقاء رئيس ما يسمى بالمجلس السياسي للحوثيين مهدي المشاط بالاعلاميين والقائه محاضرة طويلة فيهم، بالإضافة إلى لقاء القيادي الحوثي حسين العزي الذي يشغل منصب نائب وزير الخارجية في حكومة المليشيات بالقيادي الاشتراكي والمتحالف مع الحوثيين وعضو المجلس السياسي الأعلى سلطان السامعي والذي انتهى إلى اتفاق على التهدئة.

الأسباب الحقيقية للخلافات

وتكشف مصادر سياسية مطلعة لنيوزيمن، أن حقيقة الخلافات التي اشتعلت بين اجنحة المليشيات المتصارعة على النفوذ والكسب المادي تعود بدرجة رئيسة إلى منح زعيم المليشيات عبدالملك الحوثي صلاحيات واسعة للقيادي الحوثي احمد حامد (ابومحفوظ) الذي يشغل منصب مدير مكتب الرئاسة في سلطة الحوثيين، وهي الصلاحيات التي قلصت من نفوذ وصلاحيات بقية قيادات المليشيات واصبحت بديلا لصلاحيات قيادات مؤسسات الدولة ومن يديرون سلطاتها.

وتقول المصادر، إن زعيم المليشيات أصدر قرارا بتشكيل ما سماها (لجنة رسم السياسات) واوكل مسؤولية رئاستها للقيادي احمد حامد الذي اختار إلى جانبه عددا من القيادات الحوثية الموالية له، مشيرة إلى ان صلاحيات هذه اللجنة باتت غير محدودة حيث تتولى رفع تقارير يومية تشبه التقارير الامنية، وكذا تقارير عن مستوى الاداء داخل كل مؤسسات الدولة، وتقارير خاصة بمستوى ولاء كل مسؤول معين في اي منصب للمليشيات ومستوى تمريره لتوجيهات ومصالح المليشيات، بالإضافة إلى تقديم ملخص عن الوضع الاعلامي والسياسي والاقتصادي ورفع كل هذه التقارير إلى مكتب زعيم المليشيات بشكل يومي.

ووفقا للمصادر فإن مهمة لجنة رسم السياسات التي يديرها حامد لا تقتصر على شرح الوضع العام فقط، بل تعمد إلى تحليله، وتقديم مقترحات خاصة لزعيم المليشيات تتضمن تقييم كل القيادات والمسؤولين ونصائح باستبدالهم أو نقلهم إلى اماكن اخرى، وكذا مقترحات بأسماء من يتم تعيينهم في مختلف المناصب مهما كانت بسيطة، مشيرة إلى توجيهات مكتب الرئاسة الذي يديره حامد إلى كل مؤسسات الدولة بإيقاف اي توظيف الا بعد الرفع إلى مكتب الرئاسة والحصول على موافقة شخصية من رئيسه مهدي المشاط.

وتسرد المصادر المزيد من التفاصيل بالقول: انه منذ بدء عمل هذه اللجنة بات القيادي حامد هو صاحب الكلمة العليا والرجل الاول الذي يدير كل مؤسسات الدولة، وباتت صلاحياته بديلة لصلاحيات المجلس السياسي، وحكومة المليشيات بل وصلاحيات وزاراتها، وكذا صلاحيات المحافظين ومسؤولي السلطات المحلية، بالإضافة إلى تحكمه بعمليات التعيينات للمسؤولين في مختلف المناصب والمؤسسات، وحقه في اقتراح استبدال اي مسؤول ممن يدينون بالولاء لقيادات حوثية اخرى على رأسهم محمد علي الحوثي عضو المجلس السياسي الاعلى للمليشيات، وعبدالكريم الحوثي عم زعيم المليشيات ووزير الداخلية في حكومة المليشيات، وجناح آخر يضم القيادات الحوثية الهاشمية المحسوبة جغرافيا على صنعاء وذمار واب.

وتشير المصادر إلى أن نفوذ حامد أدى إلى شعور بقية قيادات المليشيات بانه لم يعد له اي قيمة خصوصا لجهة تعيين موالين لها داخل مؤسسات الدولة واستبدال العناصر التي عينتها بعناصر موالية لحامد، ناهيك عن نفوذ حامد الكبير في السيطرة على الاوعية الإيرادية المالية وابرزها الهيئة العامة للزكاة، والمجلس الاعلى للشؤون الانسانية، والهيئة العليا للأوقاف، الامر الذي ادى إلى بروز خلافات بين القيادات الحوثية وحامد ترجمت اعلاميا في حملات اتهام للأخير من قبل قيادات وناشطين حوثيين بالفساد والعجز عن تحمل المسؤولية، وممارسة المناطقية في ادارة المسؤولية وعمليات التعيينات.

حملات الاتهامات المتبادلة بين أجنحة المليشيات تصاعدت بعد محاولة حامد الدفاع عن نفسه بنشر ردود على منتقديه بتكفيرهم ووصفهم بالمنافقين والعملاء والخونة، الامر الذي زاد من حدة انتقادات الناشطين والصحفيين الحوثيين الموالين لقيادات حوثية اخرى له وبشكل غير مسبوق، وهو ما اثار قلقا لدى قيادة المليشيات وخصوصا لدى مكتب زعيم المليشيات الذي سارع إلى محاولة احتواء الخلافات وفرض التهدئة الاعلامية.

شراء ولاء الإعلاميين والناشطين مالياً وإسكات السامعي بالتهديد

صراعات الأجنحة الحوثية الناجمة عن صلاحيات لجنة رسم السياسيات وادارتها من القيادي احمد حامد ترجمت إلى حملات اتهامات للاخير بالفساد والمناطقية والشللية والعجز عن تحمل المسؤولية، لكن ما اثار مخاوف قيادات المليشيات اكثر كان هو كشف حليفهم البارز القيادي الاشتراكي وعضو ما يسمى بالمجلس السياسي الاعلى سلطان السامعي عن حجم الفساد الذي تمارسه قيادات المليشيات من خلال ايراده لمعلومة عن (شراء احد اللصوص الجدد) كما سماه (لفلتين بستة ملايين ومئتي الف دولار)، وتساؤله في نهاية التغريدة (من فين لابوه هذا المبلغ الخيالي بعد ان كان حافي القدمين).

الاتهامات المبطنة التي أوردها السامعي جعلت قيادات المليشيات تسارع في محاولة لملمة الموضوع واحتواء الخلافات، حيث كلف القيادي في المليشيات ونائب وزير الخارجية في حكومة المليشيات حسين العزي إلى اللقاء بسلطان السامعي والتفاهم معه.

وتقول مصادر سياسية لنيوزيمن، إن العزي ورغم انه حاول امتصاص غضب السامعي ومجاملته واستخدام نغمة المخاوف الأمنية، وان مثل هذه الخلافات تدعم من التحالف، الا انه استخدم معه اسلوب التهديد المبطن بان افشاء معلومات تخص قيادات عليا في الدولة سيكون له عواقب غير محمودة.

وسارع حسين العزي لإعلان لقائه بالسامعي وان الطرفين اتفقا على التهدئة، وهو ما اعتبر مؤشرا على سعي قيادات المليشيات لاحتواء الخلافات بين قيادات اجنحتها.

وجاء لقاء رئيس ما يسمى بالمجلس السياسي الاعلى القيادي الحوثي مهدي المشاط مع مجموعة من الاعلاميين عقب لقاء العزي بالسامعي ليؤكد هذا التوجه حيث القى المشاط في الاعلاميين خطبة دينية مطولة تركزت على اثارة مخاوف امنية لدى الاعلاميين وتدبيج كلامه بآيات قرآنية واحاديث نبوية قبل ان يختتم خطبته بتوجيههم بالالتزام بما يصدر عن ولي الامر، في اشارة إلى زعيم المليشيات عبدالملك الحوثي.

وقالت مصادر مطلعة: إن معظم من حضر لقاء المشاط من الاعلاميين والناشطين هم من تولوا حملة مهاجمة القيادي احمد حامد، حيث حاول المشاط امتصاص غضبهم وانتقاداتهم، وابلاغهم ان هذه توجيهات زعيم المليشيات وحرصه ختم خطبته بمطالبتهم بتطبيق ما يصدر عنه باعتباره ولي الامر، مضيفة: انه تم صرف مبالغ مالية لمن حضروا اللقاء من مكتب الرئاسة في اليوم نفسه، تراوحت المبالغ بين (100 إلى 200 الف ريال لكل شخص من الحاضرين).


المصادر ذاتها أكدت أنه ورغم احتواء حملات الاتهامات المتبادلة بين قيادات المليشيات، الا ان جوهر الخلافات الناجمة عن نفوذ القيادي احمد حامد المطلق ونزعته المناطقية الشديدة وتقليصه لصلاحيات كل من لا يدين له بالولاء، فضلا عن سيطرته على الجانب المادي لاهم المؤسسات الإيرادية وتحكمه بقرار التعيين والعزل داخل كل مؤسسات الدولة كلها عوامل ستعيد الصراع بينه وبقية قيادات المليشيات إلى الواجهة مرة اخرى، وان احتواء الخلافات الذي تم ليس سوى اجراء مؤقت لم ينجم عنه سوى هدنة اعلامية هشة، فيما لا تزال الخلافات والصراعات الخفية مستمرة وموجودة ميدانيا وداخل كل مؤسسات الدولة التي تديرها القيادات الحوثية.