اليمن داخل مرحلة شك.. سيناريوهات ما بعد انتهاء «معضلة الهدنة»
تقارير - Saturday 08 October 2022 الساعة 07:59 amدخل اليمن من جديد في مرحلة شك، بعد انتهاء الهدنة الإنسانية التي بدأت في الثاني من أبريل/نيسان الماضي، على أساس أن تستمر شهرين ثم تم تجديدها على مرحلتين، إلى فترة ستة أشهر وتوسيعها لتشمل نقاط اتفاق جديدة.
ورفضت جماعة الحوثيين، الذراع الإيرانية في اليمن، مقترح المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لليمن، هانس غروندبرغ، لتمديد وقف إطلاق النار، بينما هددت، في غير مرة، باستئناف شن الهجمات الصاروخية ضد السعودية والإمارات.
واشترطت دفع رواتب الموظفين المدنيين والعسكريين والمتقاعدين في المناطق الخاضعة لسيطرتها، في شمال اليمن "دون تمييز"، ما يعني أن تقوم الحكومة اليمنية بدفع رواتب المقاتلين المنخرطين في صفوف الجماعة.
ووظف الحوثيون مسألة مدفوعات رواتب موظفي القطاع الحكومي، لكسب التعاطف الشعبي وبالتالي تحشيد مقاتلين، بينما هم رفضوا إيداع إيرادات موانئ الحديدة في حساب بالبنك المركزي في الحديدة تُدفع منه الرواتب، كما نصت اتفاقية ستوكهولم الموقعة في 2018.
ولا يبدو هذا الموقف المتشدد جديداً، بقدر ما هو امتداد لتكتيك حصلوا من خلاله على كثير من المكاسب التي عجزوا عن تحقيقها بالحرب سابقاً، إذ إن المجتمع الدولي يعتقد بأن رضوخه لمطالبهم سيشجعهم على تقديم تنازلات، لكن ما يحدث أن الجماعة تتشدد أكثر للحصول على مطالب أكبر.
ويعتقد الحوثيون أنهم يستطيعون الحصول على مكاسب إضافية خصوصاً مع الرغبة الواضحة لدى معسكر الحكومة اليمنية والمجتمع الدولي لاستمرار مناخ ما بعد إعلان الهدنة في اليمن، وهو اعتقاد حملته مطالبهم التعجيزية، والتي تكاد تكون "تنازلات" من الخطأ تقديمها في غياب أي محادثات سلام منظمة.
ويعيد محللون فشل تثبيت وقف إطلاق النار في اليمن، إلى خلل التوازن في طرفي معادلة الحرب، وأيضاً إلى افتقار اتفاقيات التهدئة لآليات المراقبة الأممية النزيهة بدءاً من اتفاق "ستوكهولم" بشأن مدينة الحديدة، والذي أبقى على الواقع العسكري المتفوق ميدانياً للحوثيين.
بيد أنه لا يمكن بحال فصل التصلب في موقف الحوثيين الأخير، عن حسابات الراعي الإقليمي للجماعة (إيران)، مع تعثر مفاوضات إحياء اتفاق النووي، فالراجح لدى كثيرين أن طهران تناور من اليمن لتحسين وضعها على طاولة النووي.
وتدرك الأمم المتحدة الدور الإيراني في الحرب باليمن ومستوى نفوذ طهران على جماعة الحوثيين، وهذا ما عبر عنه بوضوح تكثيف مسؤولي المنظمة الأممية التواصل مع الإيرانيين في أعقاب تعثر تجديد وقف إطلاق النار.
وفي وقت سابق هذا الشهر رهن وزير الخارجية الإيراني أمير عبداللهيان، الوقف الدائم لإطلاق النار في اليمن بـ"إلغاء كامل الحصار"، وهذا لا يعني فك الحصار على تعز، إنما رفع أي قيود على حركة الشحن والتجارة والوقود عبر الموانئ والمطارات الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
تأجيل المواجهة الحتمية إلى حين
فتح انتهاء التهدئة المؤقتة مع تعثر مساعي الوسيط الدولي لتمديدها، حتى اللحظة على الأقل، الباب أمام مخاوف من عودة التصعيد العسكري في اليمن بصورة أكثر حدة، بعد تراجع نسبي في وتيرة القتال المسلح خلال الأشهر الستة الماضية.
ثمة مسألة تستحق الكثير من التدقيق، تتعلق بموقف الحوثيين من فكرة السلام، فالانطباع الموجود هو أنهم غير مهتمين حقاً بمواصلة الهدنة أو بالتعاطي بجدية مع أي جهود من أجل تسوية تفاوضية للنزاع الذي دخل عامه الثامن، فهم يعتقدون أنهم الطرف الأقوى وأن الحرب لا يجب أن تنتهي عند هذه النقطة.
وقد كان سفير الولايات المتحدة السابق لدى اليمن، جيرالد فايرستاين، صريحاً إلى حد كبير عندما قال في تحليل نشرته مجلة "فورين بوليسي"، إن "الحوثيين أنفسهم لم يزعموا أبدًا أي اهتمام بعملية سلام أو تسوية تفاوضية ولا يسعون بنشاط للمشاركة في جهود خفض التصعيد".
ولعل فشل التوصل إلى اتفاق بشأن إجراءات إنسانية بسيطة مثل تخفيف حصار مدينة تعز الذي دام سنوات، يجعل من الصعب التفاؤل بشأن استعداد الحوثيين لتقديم تنازلات في القضايا الأساسية المتعلقة بتقاسم السلطة والحكم وتنفيذ سياسة نظام يمكن لجميع اليمنيين التصديق عليه، بحسب فايرستاين.
كما يراهن الحوثيون على مواصلة الحرب لزيادة قدرتهم على التحكم في موارد الدولة والضرائب غير القانونية، والمزيد من التمكين الاقتصادي الذي يحافظ على المستوى الأعلى لمحتوى حركتهم مع الوضع الراهن.
وحتى اللحظة يصعب التكهن بالمآلات النهائية مع استمرار الاتصالات الدولية المكثفة لإقناع الحوثيين ومن خلفهم إيران بـ"مقترح مرضٍ" لتمديد الهدنة، ولكن في حالة الوصول إلى طريق مسدود، فإن الحرب ستشهد جولة جديدة من المواجهات العسكرية أكثر ضراوة من ذي قبل.
ويعزز هذا أن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لا يملكان أدوات ضغط حقيقية على الحوثيين ولم يتمكنا من إقناعهم بالتهدئة، لذا فإن العودة لمسار الحرب احتمال قائم بكل الأحوال سواءً بعد أسابيع أو أشهر، فهدف الحوثيين الاستراتيجي والمعلن السيطرة على اليمن.
هدنة تحتضر من يوم ولادتها
ويقول مسؤولو الأمم المتحدة، إن الهدنة سمحت بخفض القتال واتّخاذ بعض التدابير لتخفيف صعوبات الظروف المعيشية للسكان، في مواجهة واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.
لكن الثابت في اليمن، هو أنها (الهدنة) أفادت جماعة الحوثي بينما لم تحقق شيئاً لليمنيين ولم تحدث أي تغيير في الواقع، خصوصاً مع رفض الحوثيين فتح الطرق الرئيسة لمدينة تعز المغلقة منذ نهاية 2015، بالرغم أن الاتفاق لم يُطلب منهم سوى أمرين: وقف النار، وهو ما نفذ جزئياً؛ إذ توقفت بالفعل هجمات المسيرات الانتحارية والصواريخ الباليستية خارج الحدود. وفتح المعابر وهو ما لم يتم.
وعلى رغم الخروق العسكرية التي رافقت تنفيذ الهدنة منذ إعلان سريانها وحتى انتهائها في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، ومع الإخفاق في تنفيذ بنود حاسمة من جانب الحوثيين، فإن المزاج الدولي ما يزال يدفع نحو تمديد وتوسيع الهدنة.
وفي الوقت الذي يرى فيه المبعوث الدولي أن الهدنة نجحت في خفض التصعيد العسكري إلى أقل مدى ممكن خلال الأشهر الستة الماضية، تظل هذه القضية بالنسبة له وبالنسبة للمجتمع الدولي هي النقطة الأهم، على عكس التزام الحوثيين بتنفيذ تعهداتهم بموجب الاتفاق المرعي أممياً.