سوق حيس القديم.. تاريخ أصيل يقاوم الإهمال

المخا تهامة - Sunday 16 April 2023 الساعة 03:12 pm
حيس، نيوزيمن، خاص:

تمتاز أسواق تهامة بطابع فريد خاص عن غيرها من الأسواق اليمنية، فلها مكانتها التاريخية في وجدان الأجيال السابقة والمتعاقبة. فالزائر لهذه الأسواق يشعر بعبق الماضي وما تفوح من جوانبه.

السوق القديم في مدينة حيس التاريخية، أحد أسواق تهامة الشهيرة، التي كان لها صيت واسع، خصوصا وأن السوق لا يزال يحتفظ بطابعه الأصيل، رغم المتغيرات التي جرت فيه.

كان سوق حيس قبلة لآلاف الرواد يومياً، من القرى الريفية التابعة لحيس ومن المناطق المجاورة التابعة لمحافظات أخرى. ويبلغ ذروته مساء الأحد، الذي يسبق موعد السوق الأسبوعي الشعبي يوم الإثنين الذي يعرف بيوم الوعد.

سوق عريق

ومع مرور السنين والأوضاع الاستثنائية التي مرت على الحديدة، خصوصا بعد الحرب الحوثية، تلاشت تلك المظاهر بشكل ملحوظ حتى صار على ما هو عليه اليوم، محلات مغلقة وحركة متوقفة تسببت بحرمان مئات الأسر التي تعتاش من تلك المحلات.

وأنت داخل للسوق من الجهة الجنوبية من حارة بني بريه، تأخذك الدهشة لعشرات المحلات المغلقة ذات الأبواب الخشبية القديمة التي تدل على عراقة هذا السوق. ومن أي الزوايا أتيته، سواء من جهة الإسكندرية أو المبزاز أو من حارات خريم والمناصيب وبني هارون وإسحاق، ستجد ملامح التاريخ لهذا السوق العريق.

السوق يمثل ملحمة تاريخية، فالأبواب الخشبية القديمة وعقودها العتيقة المقوسة المبنية من الياجور تؤكد عراقة السوق، وبحسب مؤرخين، فقد كان مركزاً تجارياً تورد إليه كل المنتجات المحلية والبضائع، ومنه تنطلق نحو المحافظات اليمنية وإلى الدول في الساحل الإفريقي عبر مرافئ: الحديدة والمخا وعدن.

بعض أصحاب المحال القديمة، خصوصاً من العوائل التي تتوارث المهن في الدكاكين والمقاهي، حريصون على فتح محلاتهم رغم تأثر السوق وحالة التدهور التي حلت به، ومتمسكون بطقوسهم المعتادة التي تعني لهم الكثير.

تدهور مريع 

سعيد حساني مالك محل قديم في السوق، يتحدث بكل أسف عن حالة السوق وما حل بها من تدهور ملحوظ قائلاً لـ"نيوزيمن": كان السوق في يوم الإثنين خاصة وكل يوم مزدهرا والحركة فيه مستمرة، وكل الباعة يوردون بضائعهم إلى هذا السوق، ويتوافد عليه من مناطق في محافظات: إب وتعز ووصاب، ومن تهامة زبيد والجراحي والخوخة وغيرها من المناطق المجاورة، ناهيك عن قرى ريف حيس.

وأضاف حساني: لكن الآن بعد خروج الباعة من السوق إلى الكمب والشارع العام بسبب الحرب والنزوح أصبح السوق مغلقا ولم يحظ بالشعبية كما كان سابقاً.

وفي أحد شوارع السوق الممتدة من بوابة حارة المناصيب غرباً إلى حارة بني هارون شرقاً، التي أصبحت محلاته مغلقة، يبرز محل الحاج إبراهيم مساوى، الذي أصر على البقاء لفتح محله لبيع الأدوات الزراعية، كنوع من الوفاء، مقاوماً كل الظروف، لما يعني له من ارتباط نفسي عميق، والذي كان يعمل فيه من صُغر سنه مع والده.

يقول مساوى بلسان حاله ولهجته الحيسية التهامية لـ"نيوزيمن": السوق كان مزدحماً، وكل واحد يذكر الله من الزحمة، متذكراً ماضياً جميلاً لن يعود بفعل الحرب.

وأضاف: كان أمام محلي يمر الآلاف والحركة مستمرة وعملية الشراء والبيع مستمرة ولا تتوقف، ولكن اليوم أصبحت الحركة خفيفة جدا في السوق، أصبحت أنا فقط في هذا المكان.

واختتم الحاج مساوى، هناك من يقول لي اخرج للشارع العام، وأنا فين أخرج؟ مشتيش أخرج من هذا المكان.

دعوة لإنقاذ السوق 

من جانب آخر، يشير أحمد طاهر الأهدل، مالك محل في السوق، إلى الدلالات الكبيرة للسوق والأهمية التي كان يحتلها قبل الحرب. وأوضح: هذا سوق قديم من مئات السنين، ونعمل فيه أباً عن جد، وهو سوق مقسم ومرتب من ناحية إدارته، فيه عدة أقسام، قسم للقات وقسم للسمك وقسم للخضروات والفواكه وقسم للحوم ومركز واسع كبير لسوق الجملة.

وأضاف: السوق يومياً تبدأ ذروته من بعد الفجر وحتى الساعة 2 ظهراً، ولكن أصبح اليوم خرابا، والمحلات تتعرض للسرقات والتدمير وسرقة كيبلات الكهرباء.

موجها دعوة إلى الجهات المعنية لإحياء السوق الشعبي القديم نظراً لأهميته التاريخية وترتيب إدارته كما كان سابقاً، كون السوق له مركز استراتيجي ويتوسط المدينة ويأتي إليه الجميع.

العشرات من الأهالي ومالكي المحلات المغلقة طالبوا السلطات المحلية بضرورة إحياء السوق القديم وترتيب إدارته لما يمثله من أهمية وقيمة مادية ومعنوية في وجدان أبناء حيس.

وضع مؤسف ويدعو للحزن بالنسبة للكثيرين ممن عرفوا السوق واعتادوا على حيوته التي كان عليها قبل الحرب، فالأوضاع الأمنية والاقتصادية، إضافة للتوسع العمراني انعكست سلباً بشكل لافت على حالة السوق القديم.